ألا يحق لمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ما يحق لأبي بكر وعمر ( رضي الله عنهما ). هذا مع الافتراض أن محمداً على قدم المساواة مع أبي بكر وعمر!! وهذا افتراض مرفوض شكلاً وموضوعاً ، لأن محمداً نبي مرسل من الله وإمام ، بينما أبو بكر وعمر من الأتباع ، ومحمد يوحى اليه ، وقد أكد وقال أكثر من مرة : ( إن أكثر ما كان يأتيه الوحي كان يأتيه وهو مريض ) (١).
والله يقول ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) ويقول : ( وما صاحبكم بمجنون ) ( ما ضل صاحبكم وما غوى ) ( إن هو إلا وحي يوحى ) فكيف يتحول بطرفة عين من كانت هذه صفاته وملكاته إلى رجل حاشا له يهجر؟! ولايؤمن على كتابة وصية!!
ومع أن هذه حقائق دامغة ، لا قوة في الأرض تستطيع أن تنكرها أو تدافع عنها ، ومع أن هذه الواقعة نسفت مستقبل الإسلام كله ، وكانت هي البذرة التي انطلقت منها كل المآسي والنكبات التي حلّت بالمسلمين ، إلا أن أهل السنّة يتجأهل ونها تماماً ولا يفكرون بها ، إلا أنها مجرد قصة.
وهكذا ، وعملياً رجح قول التابع على قول المتبوع ، فأصبح التابع مرجعاً والمتبوع متفرجاً ، وتم للتابع ما أراد ، وغلبت مشيئته واستقطب الناس لها ووجدت واقعياً فكرة الغلبة وأثمرت ، واعتبرت الغلبة فيما بعد مبدأً شرعياً ، وأجيز للأمة أن تتفرج على الصراع بين متغالبين ، ثم تقف في النهاية مع الغالب ، مهما كانت صفاته ومهما كان دينه؟ (٢)
فطمع المتبوع بالتابع وتقدم المفضول على الأفضل ، ومن هنا فلا ينبغي أن ندهش إذا رأينا معاوية بن أبي سفيان يعتلي سدة الخلافة وهو الطليق ابن الطليق ومن المؤلفة قلوبهم وينازع بالخلافة أول من أسلم وولي الله بالنص ، ومولى كل مؤمن ومؤمنة بالنص ، ويحاول أن يقنع المسلمين بأنه أفضل من علي وأصلح للأمة منه ، ولا ينبغي أن نندهش إذا وجدنا في عصور الإسلام من يقول : هذا مجتهد وهذا
__________________
(١) راجع الطبقات لابن سعد ج ٢ ص ١٩٣.
(٢) راجع نظام الحكم للقاسمي ص ٢٤٤ ـ ٢٤٥ وكتابنا النظام السياسي ص ١٥٣.