كنت بريئاً من مثله علمت أني لست من أهله ، فقبلت عملك هنالك ، فإني قلما رأيتك طلبت شيئاً إلا عالجته ).
فقال : يا ابن عباس إني خشيت أن يأتي علي الذي هو آت ( يعني موت عمر ) وأنت في عملك فنقول : هلم إلينا ، ولا هلم إليكم دون غيركم إني رأيت رسول الله استعمل الناس وترككم.
قال : والله قد رأيت من ذلك فلم تراه فعل ذلك؟.
قال عمر : والله ما أدري أضن بكم عن العمل فأهل ذلك أنتم ، أم خشي أن تبايعوا بمنزلتكم منه فيصبح العتاب ولا بد من عتاب ، وقد فرغت لك من ذلك فما رأيك.
قال ابن عباس : قلت : ارى إلا اعمل لك. قال : ولم؟ قلت : إن عملت لك وفي نفسك ما فيها لم أبرح قذى في عينك؟ قال : فأشر علي؟ قلت : إني أرى أن تستعمل صحيحاً منك صحيحاً عليك (١).
من فرط حرصه على مصلحة المسلمين يريد حتى بعد موته أن يتأكد بأن الهاشميين لن يسلطوا على رقاب الناس ، ولن يحكموا أمة محمد!!
وبالإجمال تحولت هذه المقولة إلى تيار غلاب أفصح عن ذاته ، وفرض نفسه كقناعة عامة تؤمن بها السلطة ، وآمنت بها الأكثرية الساحقة ، على اعتبار أن هذه المقولة هي الوسيلة المثلى لمنع الإجحاف الهاشمي ، وإنصاف البطون القريشية لتتداول الخلافة في ما بينها ، كرد على النبوة الهاشمية ، أو كتعويض لها عن الإختصاص الهاشمي بالنبوة ، وأخيراً على اعتبار أن هذه المقولة مظهر من مظاهر هداية قريش وتوفيقها على حد تفسير الفاروق.
وباستمالة أبي سفيان إلى جانب السلطة ، وترك ما بيده من الصدقات التي جمعها ، وتولية ابنه يزيد قائداً على جيش الشام ، وتعيين ابنه الثاني قائداً من قواد يزيد ، ثم خلافته لأخيه يزيد كوال على الشام بعد وفاته ، كل هذا كوّن حلفاً حقيقياً بين
__________________
(١) راجع المجلد الثاني ص ٢٥٣ ـ ٢٥٤ من مروج الذهب للمسعودي.