ثم حذر الله تعالى نبيه صلىاللهعليهوسلم من عداوة المشركين ، قائلا :
(وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ ، وَيَقُولُونَ : إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ) أي إنهم ـ كما قال الزمخشري ـ من شدة تحديقهم ونظرهم إليك شزرا بعيون العداوة والبغضاء ، يكادون يزلون قدمك ، أو يهلكونك ، وكان هذا النظر يشتد منهم في حال قراءة النبي صلىاللهعليهوسلم القرآن ، لشدة كراهيتهم ، وحسدا على ما أوتي من النبوة ، ويقولون : إنه مجنون ، حيرة في أمره ، وتنفيرا عنه ، وإلا فقد علموا أنه أعقلهم. والمعنى : أنهم جننوه لأجل القرآن.
وقال بعضهم : المراد أنهم يكادون يصيبونك بالعين ، روي أن العين كانت في بني أسد ، فكان الرجل منهم يتجوع ثلاثة أيام ، فلا يمر به شيء فيقول فيه : لم أر كاليوم مثله ، إلا عانة ، فأريد بعض العيّانين على أن يقول في رسول الله صلىاللهعليهوسلم مثل ذلك ، فقال : لم أر كاليوم رجلا ، فعصمه الله.
قال الهروي : أراد ليعتانونك بعيونهم ، فيزيلونك عن مقامك الذي أقامك الله فيه ، عداوة لك.
ورد ابن قتيبة على ذلك قائلا : ليس يريد الله أنهم يصيبونك بأعينهم ، كما يصيب العائن بعينه ما يعجبه وإنما أراد أنهم ينظرون إليك إذا قرأت القرآن نظرا شديدا بالعداوة والبغضاء ، يكاد يسقطك.
ورأى ابن كثير أن المعنى : يحسدونك لبغضهم إياك ، لولا وقاية الله لك ، وحمايته إياك منهم ، وفي هذه الآية ـ على رأي البعض ـ دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق بأمر الله عزوجل ، كما وردت بذلك الأحاديث المروية من طرق متعددة كثيرة.
منها : ما أخرجه أحمد عن عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا حسد ، والعين حق» أي بإرادة الله.