وزجرهم عليها ، أمر رسوله صلىاللهعليهوسلم بالصبر على أذاهم وعلى تبليغ رسالته ، فقال :
(فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ، وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ ، إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ) أي فاصبر يا محمد على قضاء ربك وحكمه فيك وفي هؤلاء المشركين ، وعلى أذى قومك وتكذيبهم ، وامض في تبليغ دعوتك ، دون توقف أو تعثر بمعارضتهم وإيذائهم ، فإن العاقبة لك ولأتباعك في الدنيا والآخرة.
ولا تكن مثل يونس عليهالسلام في الضجر والعجلة والغضب ، حين ذهب مغاضبا على قومه ، فكان من أمره ما كان ، من ركوبه البحر ، والتقام الحوت له ، وشروده في البحار ، وندمه على ما فعل ، فنادى ربه في الظلمات في بطن الحوت ، وهو مملوء غيظا وغما على قومه ، إذ لم يؤمنوا لما دعاهم إلى الإيمان ، كما جاء في آية أخرى : (فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ ، سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ، فَاسْتَجَبْنا لَهُ ، وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ ، وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) [الأنبياء ٢١ / ٨٧ ـ ٨٨].
والمعنى : لا يوجد منك ما يوجد منه من الضجر والمغاضبة ، فتبتلى ببلائه ، كما قال تعالى :
(لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ ، لَنُبِذَ بِالْعَراءِ ، وَهُوَ مَذْمُومٌ) أي لولا أن تداركته رحمة من الله ونعمة ، بتوفيقه للتوبة وقبولها منه ، فتاب الله عليه ، لألقي من بطن الحوت على وجه الأرض الخالية من النبات ، وهو ملوم بالذنب الذي أذنبه ، مطرود من الرحمة والكرامة ، لذا قال تعالى :
(فَاجْتَباهُ رَبُّهُ ، فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) أي فاصطفاه ربه واستخلصه واختاره للنبوة والوحي ، وجعله من الأنبياء المرسلين لقومه الكاملين في الصلاح ، وأرسله إلى مائة ألف أو يزيدون ، فآمنوا جميعا. ويلاحظ أن كلمة (لَوْ لا) دلت على أن المذمومية لم تحصل.