ثم ثنّى بالمجاهرة ؛ لأن النصح بين الملأ تقريع وتغليظ ، فلم يؤثر.
ثم جمع بين الأمرين : الإسرار والإعلان ، كما يفعل المجتهد المتحير في التدبير فلم ينفع. ومعنى (ثُمَ) الدلالة على تباعد الأحوال ، وتفاوت درجة الأسلوب ، لأن الجهار أغلظ من الإسرار ، والجمع بين الأمرين أغلظ من إفراد أحدهما.
وهذا مشابه لمراحل الدعوة التي قام بها النبي صلىاللهعليهوسلم في مكة وجزيرة العرب ، فكان موقف كفار قريش مماثلا لموقف قوم نوح : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا : لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ ، لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) [فصلت ٤١ / ٢٦].
ثم فسر الدعوة وأبان مضمونها بقوله :
(فَقُلْتُ : اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ، إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً) أي فقلت لهؤلاء القوم : سلوا ربكم غفران ذنوبكم السابقة بإخلاص النية ، وتوبوا إلى الله من الكفر والمعاصي ، إن ربكم الذي خلقكم وربّاكم كثير المغفرة للمذنبين.
وفيه دلالة على أن الاستغفار يوجب زيادة البركة والنماء ، لأن الفقر والقحط والآلام والمخاوف بشؤم المعاصي ، فإذا تابوا واستغفروا ، زال الشؤم والبلاء ، وعاد الخير والنماء.
ثم وعدهم على التوبة من الكفر والمعاصي بخمسة أشياء ، فقال :
١ ـ (يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً ، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ ، وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً) أي إن استغفرتم ربكم يرسل المطر عليكم متتابعا ، كثير الدرور والغزارة ، فيكثر الخير والخصب والغلال والثمار ، ويعم الرخاء والاطمئنان والسعادة والاستقرار ، ويمددكم بالأموال الكثيرة ويعطكم الخيرات الوفيرة ، ويكثر لكم الذرية والأولاد بسبب الأمن والرفاه والشعور بالاستقرار