الله وقت الشدة ، وتركه وقت الرخاء. ثم أردفه ببيان مدى صلابة المؤمنين في دينهم ، وتمسكهم بمبدئهم ، فهم لا يرجعون إلا إلى الله ، ولا يعتمدون إلا على فضل الله.
التفسير والبيان :
(وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ، ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ ، نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ ، وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) هذا موقف متناقض من الكفار ، فإذا أصاب الكافر شدة من مرض أو فقر أو خوف ، تضرع إلى ربه ، راجعا إليه تائبا ، مستغيثا به في تفريج كربته ، وكشف ما نزل به ، ثم إذا منحه نعمة أو أعطاه وملكه ، وصار في حال رخاء ورفاهية ، نسي ذلك الدعاء والتضرع ، أو نسي ربه الذي كان يدعوه من قبل.
وجعل لله شركاء من الأصنام أو غيرها ، يعبدها ، ليصير وتكون نتيجته وعاقبته الضلال والإضلال ، يضل بنفسه ، ويضل الناس بعمله هذا ويمنعهم من توحيد الله والدخول في الإسلام ، فسبيل الله : الإسلام والتوحيد ، والأنداد الأوثان والأصنام ، ولام (لِيُضِلَ) لام العاقبة.
والمعنى الأول (وهو أنه عند الحاجة يتضرع ويستغيث بالله) مثل قوله تعالى : (وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ، ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ، فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ ، وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً) [الإسراء ١٧ / ٦٧].
والمعنى الثاني (وهو أنه في حال الرفاهية ينسى ذلك الدعاء والتضرع) مثل قوله تعالى :
(وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً ، فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ ، مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ) [يونس ١٠ / ١٢].