بأكثر من الأخرى ،
فأخبرنا بهما ، وألفناه أبوابا ، فمن ذلك باب فعلت بفتح العين.
تقول : نمى المال
وغيره ينمي وذوي العود يذوي وغوى الرجل يغوي وينشد هذا البيت :
فمن يلق خيرا
يحمد الناس أمره
|
|
ومن يغو لا يعدم
على الغي لأئما
|
وفسد الشيء يفسد
وعسيت أن أفعل ذاك ولا يقال منه يفعل ولا فاعل ...».
والفصيح هذا مما
يدخل في عداد الكتب التي ألفت في التصويب اللغوي ، وهو كان من أسير المعاجم ذكرا ،
وأكثرها تداولا بين المؤدبين والمتأدبين ، فكثر انتساخه عند الوراقين من كثرة
الطلب عليه ، ولا سيما في القرن الرابع الهجري ، جاء في كتاب الإرشاد لياقوت (ج ٢٠
، ص ٣٤ ـ ٣٥) وهو يترجم يحيى بن محمد الأرزني المتوفى سنة ٤١٥ ه ما نصّه :
«يحيى بن محمد أبو
محمد الأرزني ، إمام في العربية مليح الخط سريع الكتابة ، كان يخرج في وقت العصر
إلى سوق الكتب ببغداد فلا يقوم من مجلسه حتى يكتب الفصيح لثعلب ويبيعه بنصف ذينار
، ويشتري نبيذا ولحما وفاكهة ، ولا يبيت حتى ينفق ما خصّه منه».
وكان أبو الحسن
علي بن محمد بن علي الاسترابادي المتوفى سنة ٥١٦ ه يكثر الاشتغال بالفصيح ويواظب
على تدريسه ، وهو قد تمادى في ذلك واستمر عليه حتى نسبوه بالفصيحي ، وفي هذا الشأن
يقول ياقوت في الإرشاد (ج ١٥ ، ص ٦٧) من ترجمته :
«وسمي بالفصيحي
لكثرة دراسته كتاب الفصيح لثعلب وصار له به أنس حتى إنه دخل يوما على مريض يعوده
فقال : شفاه وسبق على لسانه : وأرخيت الستر لاعتياده كثرة إعادته».
ولأبي العلاء
المعرّي في الفصيح عمل طريف تعمد فيه أن يستعمل كلمات الفصيح جمعاء في تحميد الله
تعالى وما قارب ذلك من النصائح والعظات ، وسمى عمله ذلك «خطبة الفصيح».
ذكره أبو العلاء
في ثبت مؤلفاته الذي أملاه على تلميذه أبي الحسن علي بن عبد الله بن أبي هاشم
والوارد نصّه الكامل في إنباه الرواة (ج ١ ، ص ٥٦ ـ ٦٦) وفيه يقول أبو العلاء :
«وكتاب يعرف بخطبة
الفصيح تكلم فيه على أبواب الفصيح مقداره خمس عشرة كراسة».
وذكره ابن خير في
فهرسته فقال :
«كتاب خطبة الفصيح
من إنشاء أبي العلاء أحمد ابن عبد الله بن سليمان المعري ضمن جميع ما حواه الفصيح
خطبة في تحميد الله سبحانه وما قاربه من العظات.
حدّثني به الشيخ
القاضي أبو بكر بن العربي رحمة الله عليه عن أبي زكرياء يحيى بن علي التبريزي عن
أبي العلاء ـ رحمه الله ـ».
وذكره أبو القاسم
محمد بن عبد الغفور الكلاعي في كتاب «إحكام صنعة الكلام» (ص ١٨٠ ـ ١٨١) فقال بشأنه
ما نصّه :
ومن أطرف الخطب
معنى ، وأعذبها منحى ومبنى ، خطبة الفصيح لأبي العلاء ، وهي خطبة شريفة تشتمل على
علم جم وأدب تتضمن لغات الفصيح لثعلب أولها :
«الحمد لله الذي
بفضله نمى المال وسمت الآمال ما كان للصمد أرج ينمي وما كان لغيره فمن يذمي ما ذوى
عود شجرة مؤمنة ، وما يذوي عود المفتتنة ، وإن ظننت عود المؤمن ذوى ، فإنما ظنك
رمى فأشوى ، ان شجرة الإيمان ، لا تنقرض بطول الزمان ، وإذا غوى الرجل فوحده يغوى
، وان استغوى النفر فذلك غوي مغوي ، والله عرف ميتا وحيا وعلم رشدا من البشر وغيا.
فمن يلقى خيرا
يحمد الناس أمره
|
|
ومن يغو لا يعدم
على الغي لائما»
|
وهذه الخطبة طويلة
، وفيما ذكرناه دليل على كيفيتها وتنبيه على فضيلتها ومزيتها ، إن شاء الله».
نشره المستشرق
الألماني فون بارت في ليبزج سنة ١٨٧٦ م.
وطبع في بيروت عام
١٣٢١ ه وبمصر عام ١٣٢٥ ه وبها أيضا مع بعض شروحه سنة ١٩٤٩ م.
وعلى الفصيح أعمال
متنوعة نذكرها بعد في مواضعها إن شاء الله.