ثم خاطب الله النبي صلىاللهعليهوسلم وأزواجه بطريق تغليب الذكور ، فقال :
(وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ ، وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَلِيماً) أي إن الله عليم تام العلم بالميل إلى بعضهن دون بعض ، من غير اختيار ، ومما لا يمكن دفعه ، وكان الله وما يزال عليما بما تخفيه النفوس ، وتكتمه السرائر ، حليما يحلم ويغفر ، فلا يعاجل المذنبين بالعقوبة ، ليتمكنوا من التوبة والإنابة. وفي هذا حثّ على حسن النوايا ، وسلامة الطوية ، وتحسين معاملة النساء للتغلب على أثر الغيرة.
روى الإمام أحمد وأصحاب السنن الأربعة عن عائشة رضياللهعنها قالت : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقسم بين نسائه ، فيعدل ، ثم يقول : «اللهم هذا فعلي فيما أملك ، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك» زاد أبو داود : يعني القلب.
ثم ذكر الله تعالى مجازاة نساء النبي صلىاللهعليهوسلم اللاتي اخترن الله ورسوله ، فمنع طلاقهن ، وحرّم غيرهن عليه ، فقال :
(لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ) أي يحرم عليك أيها الرسول الزواج بغير هؤلاء النساء التسع اللاتي عندك الآن ، جزاء لاختيارهن الله ورسوله ، أخرج أبو داود في ناسخه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أنس قال : «لما خيّرهنّ ، فاخترن الله ورسوله صلىاللهعليهوسلم ، قصره سبحانه عليهن».
وهذا هو الحكم الأول : تحريم بقية النساء عليه.
(وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ ، وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ ، إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ) وهذا هو الحكم الثاني : منع استبدالهن وتحريم طلاقهن ، أي ولا يحلّ لك أيها الرسول أن تتزوج غير اللاتي في عصمتك ، وأن تستبدل بهن غيرهن ، بأن تطلق واحدة منهن وتتزوج بدلها أخرى ، وإن أعجبك حسنها ، إلا ما ملكت يمينك من الإماء ، مثل مارية القبطية التي أهداها المقوقس له ، فتسرّى بها ، وولدت له إبراهيم ومات رضيعا.