الكرامات ، فإن الجنّ يقدرون على مثل هذا.
وعلى أي حال ، تم نقل العرش من اليمن إلى الشام بقدرة الله العظمى ، وإن وجدت الوسيلة في الظاهر ، كفلق البحر لموسى عليهالسلام ، بضرب العصا ، فإن الفالق هو الله تعالى ، وليس العصا.
٣ ـ إن ما حدث من إحضار العرش بهذه السرعة هو معجزة لسليمان عليهالسلام ، والمعجزات خوارق للعادات ، لا تخضع لمقاييس الأحوال العادية ، ولا يصدق بالمعجزة إلا مؤمن بقدرة الله ، أما الكافر الملحد أو المادي الذي لا يصدق إلا بما يقدمه العلم التجريبي ، فإن إقناعه بذلك عبث. وقد أراد سليمان أن يظهر لها أن الجن مسخرون له ، وكذلك الشياطين لتعرف أنها نبوة ، وتؤمن بنبوته.
٤ ـ إن ظهور المعجزة على يد الأنبياء أمر موجب للشكر والحمد الكثير لله عزوجل ، لتأييدهم بها ، ولإظهار عجزهم الحقيقي أمامها ، لذا قال سليمان لما رأى العرش ثابتا مستقرا عنده: (هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي) أي هذا النصر والتمكين من فضل الله ربي ، لينظر أأكون شاكرا حامدا ، أما كافرا بالنعمة جاحدا؟
٥ ـ لا يرجع نفع الشكر إلا إلى الشاكر نفسه ؛ لأنه بالشكر يحقق تمام النعمة ودوامها والمزيد منها ، وبه تنال النعمة المفقودة أيضا. وأما ضرر الكفر والجحود فعائد كذلك إلى الكافر نفسه ، ومع كفره فإن الله غني عن شكره ، كريم في التفضل والإنعام عليه بالرغم من الكفر.
٦ ـ إن تنكير العرش وتغيير هيئته فيه استثارة البحث ، وإمعان النظر ، وإعمال العقل ، وتركيز الانتباه إلى آية المعجزة ، وقد بدا كل هذا في جواب بلقيس (كَأَنَّهُ هُوَ). قال عكرمة : كانت حكيمة ، فقالت : (كَأَنَّهُ هُوَ). وقال مقاتل : عرفته ، ولكن شبّهت عليهم ، كما شبّهوا عليها ، ولو قيل لها :