نأكل (وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ) لطلب المعاش كما نمشي ، والمعنى : إن صح ادعاؤه ، فما باله يخالف حاله حالنا ، وذلك لقصور نظرهم على المحسوسات ، فإن تميز الرسل عمن عداهم ليس بأمور جسمانية ، وإنما بالأمور المعنوية ، كما أشار تعالى : (قُلْ : إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) [الكهف ١٨ / ١١٠ ، وفصلت ٤١ / ٦].
(لَوْ لا) هلا. (أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ ، فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً) يصدقه ، فنعلم صدقه بتصديق الملك. (أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ) من السماء ينفقه ويستغني به عن طلب المعاش. (أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ) بستان ، أي إن لم يلق إليه كنز ، فلا أقل من أن يكون له بستان ، كما للدهاقين والمياسير ، فيعيش من ريعه وغلته ، وهذا منهم على سبيل التنزل. (يَأْكُلُ مِنْها) أي من أثمارها ، فيكتفي بها ويتميز علينا بها. وقرئ نأكل أي نحن ، وهذا كله تفكير الماديين. (وَقالَ الظَّالِمُونَ) الكافرون. (إِنْ تَتَّبِعُونَ) أي ما تتبعون. (إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) أي سحر فغلب على عقله واختل تفكيره. (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ) أي قالوا فيك الأقوال العجيبة الشاذة التي جرت مجرى الأمثال ، واخترعوا لك الأحوال النادرة ، كالمسحور والمحتاج إلى ما ينفقه ، وإلى ملك يعاونه في الأمر. (فَضَلُّوا) بذلك عن الهدى وعن الطريق الموصل إلى معرفة خواص النبي صلىاللهعليهوسلم ، والمميز بينه وبين المتنبئ ، فخبطوا خبط عشواء وقوله : ضلوا : أي بقوا متحيرين في ضلالهم. (فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) طريقا إلى الرشد والهدى ، أو إلى القدح في نبوتك. (قُصُوراً) جمع قصر وهو كل بيت مشيد بالحجارة ونحوها ، أما ما يتخذ من الصوف أو الشعر فهو البيت في عرف العرب.
سبب النزول :
أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه وابن جرير وابن أبي حاتم عن خيثمة قال : قيل للنبيصلىاللهعليهوسلم : إن شئت أعطيناك مفاتيح الأرض وخزائنها ، لا ينقصك ذلك عندنا شيئا في الآخرة ، وإن شئت جمعتهما لك في الآخرة ، فقال : لا ، بل اجمعها لي في الآخرة ، فنزلت: (تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ) الآية. أي أن عرض الخزائن من الله. وجاء في السيرة النبوية أن عروض الإغراء بالمال والغنى ، والسيادة والجاه ، والملك والسلطان كانت من زعماء قريش.