وروى ابن أبي حاتم عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يا معاذ ، إن المرء يسأل يوم القيامة عن جميع سعيه ، حتى كحل عينيه ، وعن فتات الطينة بأصبعه ، فلا ألفينّك يوم القيامة ، وأحد غيرك أسعد بما آتاك الله منك».
وإذا كانت هذه مهمتك أيها النبي وهو الإنذار وأن الحساب محقق ، فما عليك إلا الجهر بدعوتك ، فقد انتهت مرحلة الإسرار في الدعوة ، فقال : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ ..) أي فاجهر بتبليغ دعوتك للجميع ، وواجه بها المشركين ، ولا تأبه بهم ، فإن الله عاصمك وحافظك منهم ، وأعرض عن المشركين ، أي بلغ ما أنزل إليك من ربك ، ولا تلتفت إلى المشركين الذين يريدون أن يصدوك عن آيات الله.
(إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) هذا تأمين رباني وعصمة وصون ، أي إنا كفيناك شر المستهزئين بك ، المجاهدين في عداوتك ، الساخرين منك ومن القرآن ، وهم جماعة ذو وقوة وشوكة من المشركين ، وهم خمسة نفر : الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، والحارث بن قيس ، والأسود بن المطلب ، والأسود بن عبد يغوث.
قال جبريل لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : أمرت أن أكفيكهم ، فأومأ إلى عقب الوليد ، فتعلق بثوبه سهم ، فأبى تعظما نزعه ، فأصاب عرقا في عقبه فمات. وأومأ إلى أخمص العاص بن وائل ، فمات بشوكة دخلت فيه ، وأشار إلى عيني الأسود بن المطلب فعمي ، وأشار إلى أنف عدي بن قيس فامتخط قيحا فمات ، وأشار إلى الأسود بن عبد يغوث ، وهو قاعد في أصل شجرة ، فأصيب بداء ، فجعل ينطح رأسه بالشجرة ، ويضرب وجهه بالشوك حتى مات (١).
__________________
(١) تفسير الرازي : ١٩ / ٢١٥ ، تفسير القرطبي : ١٠ / ٦٢ ، تفسير ابن كثير : ٢ / ٥٥٩