وكذلك لا يدفع الضّرّ إلا الله بقوله : (ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ ..) أي إذا تعرّضتم لسوء أو ضرر في أنفسكم من مرض أو خوف أو مشقة ، ونحوها من الضرورات ، فإليه تلجؤون وتسألون وتدعون ، وتلحون في الرّغبة إليه والاستغاثة به لكشف ذلك عنكم ، لعلمكم أنه لا يقدر على إزالته إلا هو.
وهذا كقوله تعالى : (وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ، ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ، فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ ، وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً) [الإسراء ١٧ / ٦٧].
(ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ ..) أي ثم إذا كشف الضّرّ عنكم ، وأزال المخاوف ، ووهبكم النعمة والسلامة والعافية ، وفرج البلاء عنكم ، إذا أنتم تفترقون فريقين ، ففريق منكم يبقى على ما كان عليه من الإيمان ، فلا يفزع إلا إلى الله تعالى ، وفريق منكم عند ذلك يتغيرون ، فيشركون بالله غيره في العبادة ، وهذا مثار عجب من فعل هؤلاء ، حيث يقابلون النعمة بالنقمة ، والشكر بالشرك بالله تعالى. والجؤار : رفع الصوت بالدعاء والاستغاثة.
(لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ) هذه اللام إما لام التعليل ، أي قيضنا لهم ذلك ليكفروا أي يستروا ويجحدوا نعم الله عليهم ، والمعنى : أنهم أشركوا بالله غيره في كشف الضّر عنهم ، وغرضهم من الإشراك أن ينكروا كون ذلك الإنعام من الله تعالى.
وإما لام العاقبة (الصيرورة) أي أن عاقبة تلك التضرّعات ما كانت إلا هذا الكفر ، كقوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص ٢٨ / ٨].
ثم توعّدهم وهدّدهم قائلا : (فَتَمَتَّعُوا ..) أي اعملوا ما شئتم ، وتمتعوا بما أنتم فيه قليلا في الحياة الدّنيا ، فسوف تعلمون عاقبة تمتعكم ، وما ينزل بكم من العذاب ، وتدركون سوء ما أنتم عليه. وهذا الأمر التهديدي مثل قوله تعالى :