الأخرى ، فليتعوذ من الشيطان» ثم قرأ : (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ ، وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً)(١).
والله تعالى في مقابلة إغراءات الشيطان ووساوسه وأمره بالفحشاء (البخل) يعدكم على لسان نبيكم مغفرة بسبب الإنفاق لذنوبكم ، وتعويضا وإخلافا في الدنيا لما أنفقتموه ، والفضل : المال والخير ، والله واسع الرحمة والفضل ، فيحقق ما وعدكم به ، وهو عليم بما تنفقون ، فيجازيكم عليه أحسن الجزاء ، كما قال تعالى : (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ، وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ ٣٤ / ٣٩] وروى البخاري ومسلم أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «ما من يوم يصبح فيه العباد إلا ملكان ينزلان ، يقول أحدهما : اللهم أعط منفقا خلفا ، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكا تلفا» أي أن الأول يعوضه الله بتسهيل أسباب الرزق له ، والآخر يذهب ماله.
والله تعالى يؤتي الحكمة من يشاء من عباده ، وليست الحكمة على الصحيح النبوة ، ولكنها كما قال الجمهور : العلم والفقه والقرآن ، فهي لا تختص بالنبوة ، بل هي أعم منها ، وأعلاها النبوة ، والرسالة أخص ، وذلك يرشد إلى تمييز الحقائق من الأوهام ، والتفرقة بين الوسواس والإلهام. وآلة الحكمة : العقل ، فمن عرف ما في القرآن من أحكام وأسرار ، وأدرك بسلامة عقله ما في الإنفاق من فوائد تعود على الأمة بالخير وعلى المنفق بالثواب الجزيل ، لم يتأثر بوساوس الشيطان ، ولم يتردد في البذل والإنفاق في سبيل الله. عن ابن مسعود قال : سمعت رسول اللهصلىاللهعليهوسلم يقول : «لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله مالا ، فسلّطه على هلكته في الحق ، ورجل آتاه الله الحكمة ، فهو يقضي بها ويعلمها» (٢).
ومن يوفقه الله للعلم النافع ، وعلى التخصيص فهم القرآن والدين ، ويرشده
__________________
(١) وهكذا رواه الترمذي وقال : حسن غريب ، والنسائي ، وابن حبان في صحيحة.
(٢) رواه أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه.