والمنافقون ، أمر جميع الناس ومنهم مشركو مكة بعبادته والاستكانة والخضوع له بالطاعة ، وإفراد الربوبية والوحدانية له ، وعبادته دون الأوثان والأصنام والآلهة التي كانوا يعبدونها ، لأنه تعالى هو خالقهم وخالق من قبلهم من آبائهم وأجدادهم ، وخالق أصنامهم وأوثانهم وآلهتهم ، ولأنه المنعم المتفضل على جميع الخلائق بخيرات الأرض والسماء.
التفسير والبيان :
يأمر الله تعالى جميع الناس من مشركي مكة وغيرهم بعبادته وحده ، كما أمرهم على لسان الأنبياء السابقين في قوله تعالى : (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ ، وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل ١٦ / ٣٦] أي الأوثان. وأصل العبادة : الخضوع والتذلل ، ويراد بها هنا توحيد الله والتزام شرائع دينه ، ونبذ عبادة الأصنام. والسبب أن هذا الرب العظيم يستحق إفراده بالعبادة ، لأنه خالق العباد جميعهم ، المأمورين وأسلافهم ، ومدبر شؤونهم ، وواهبهم ما يحتاجونه من طرق الهداية ووسائل المعرفة. وللعبادة ثمرة مؤكدة هي الوصول للتقوى والظفر بالفوز والنجاح والهدى وبلوغ درجة الكمال ، لأن من ذرأه الله لجهنم لم يخلقه ليتقي ، ومن عبد الله حق العبادة تحققت تقواه التي يحبها الله من عباده. وبما أن الأصل في كلمة «لعل» للترجي والتوقع ، وهو مستحيل من الله القدير الأعلى للعبد الضعيف الأدنى ، فكان المراد به : افعلوا ذلك راجين الوصول للتقوى ، أو لتعقلوا ولتذكروا ولتتقوا.
والأمر بالعبادة أيضا لأنه سبحانه جعل الأرض مهادا وقرارا للاستقرار عليها ، والحياة والإقامة فيها بهدوء واطمئنان ، بالرغم من دورانها وكرويتها ، فهي ثابتة بالجبال الراسيات : (وَالْجِبالَ أَوْتاداً) [النبأ ٧٨ / ٧] ، ولأنه جعل السماء سقفا مرفوعا فوق الأرض كالقبة ، تظلّ الناس بالخير والبركة ، وأحكم