والمراد هنا هو الثّانى.
وهو جسم لَيّن دسم ، مُتخلخل ، بارد ، رطب ، مركّب من المخّ والشّرايين والأوردة والغشاءين اللّذين يحيطان به جميعا ، وأحد الغِشاءين رقيق يلى الدِّمَاغ ، ويُسمَّى بالأمّ الرّقيقة ، وهى حافظة لأوضاعه كالمشِيمة الحافضة لأوضاع الجنين. والآخر غليظ يلى العظم ، ويُسمَّى بالأمّ الغليظة.
وهما حاجزان بينه وبين العظم.
وشكله قريب من مَخروط ، قاعدته فى مقدَّم الرّأس ، ورأسه فى المؤخَّر.
وينقسم طُولا إلى ثلاثة بُطون ، وكلّ بطن منها ينقسم عُرْضاً الى جزأين متساويين ، ليقوم أحدهما بالأفعال الواجبة عند فساد الآخر.
أمّا البطن المقدّم فإنّه أعظمها وفى مقدّمته القوّة المسمّاة بالحِسّ المشترَك ، وهى قوّة من شأنها أنْ تُدرك جميع الصّور المحسوسة بواسطة الحواسّ الظاهرة لأنّ كلّ قوّة منها تؤدّى إليها ما أدْرَكَتْه. ولذلك سُمِّيت بالحِسّ المشترَك.
وفى مؤخَّرته القوّة المصوِّرة ، وتسمّى بالخِيال أيضا ، وهى قوّة من شأنها أنْ تحفظ ما يتأدَّى إلى الحِسّ المشترَك إذا غاب عن الحواسّ الظّاهرة. وهى قوّة واحدة ، وعند الفلاسفة قوّتان ، كما ذكرنا. وفى هذا البطن يَستحيل الرّوح الحيوانىّ روحا نَفسانيّا.
وأمّا البطن المؤخَّر فإنّه أيضا كبير لكنّه أصغر من المقدَّم. وفيه القوّة الحافظة ، وهى قوّة شأنها أنْ تحفظ ما يُدْرِكه الوَهْم من المعانى الجزئيّة ، ويسمّيها بعضهم بالقوّة الذّاكِرة أيضا. ومنه يتوزَّع الإدراك المتحرِّك إلى سائر الأعضاء القابلة للحركة الإرادية ومن مُؤَخَّر مبدأ النُّخاع.
وأمّا البطن الأوسط فإنّه أصغرها ، وهو كدِهْلِيز بين المقدَّم والمؤخَّر ، وفيه قوّتان :
إحداهما القوّة المتخيِّلة ، ومحلّها أوّل هذا البطن ، ولها اعتباران :
ـ اعتبار باستخدام الوَهْم لها فى الصّوَر المحسوسة والمعانى الجزئيّة ، إمّا بالتّركيب ، كتصوُّر إنسان له رأسان أو بالتّفصيل كتصوّر إنسان بلا رأس.