كان ترطيبه أكثر ، وكذلك تبريده. وكلّما بَعُدَ العهد بالمزْج صار أبرد وأرطب ، ونَقَص ما يُحْدِثُه من السُّكر.
وقدَّر بعض الأوَّلين وزنَ ما لا ينبغى تناوله من الشّراب ، ثمّ اختلف هؤلاء فمنهم من قدَّره بمائة مثقال ، ومنهم من قدَّره بمائة وعشرين ، ومنهم من قدَّره بما يقرُب من ذلك. وجميع هذه رديئة ، لأنّ مقدار ما يُستعمل مختلف بحسب المزاج والسن والفصل والبلد والعادة.
وطعم الشّراب فى نفسه غير لذيذ فلذلك يستكرهه الذَّوق السليم. وأما إذا بلغ الى حد ارخاء العصب وتخدير الذوق فان الاحساس حينئذ بكراهيته يبطل ويبقى الميل اليه بأمر فى النفس لا حاسيَّة الذّوق. فمَن اضطُرَّ الى شُرب الخمر ، وأخذ النّعاس يغلب عليه والرّأس يثقل وكذلك البدن ، والحركات تسترخى واللسان تعسُر حركته ، والذّهن يغيب. فحينئذ يجب الامتناع من الشّرب لما يلزمه من استراحة قُوَى الدّماغ كالمفكرة والحافظة ونحوهما ، فإنّ هذه القُوَى يحدث لها خُمودٌ ونقصان.
والقليل من الشّراب وإنْ كان به نفع فإنّه يقود الى الاستكثار منه. دوام الاستكثار منه شديد المضرّة جدّا. وبالرغم من مضارّه الكثيرة فإنّ النّاس يحرصون على التَّمَلِّى منه جدّا ، حتى يُؤْثِر بعضُهم أنْ يكون زِقّاً مملوءا خَمْرا ، ومن أخطأ فاستكثر منه فأفضل الأشياء له أن يبادر الى إخراجه لئلّا تفسد صحّته سريعا لما يُدخله من ضرر على العقل والعصب والبَصَر والقلب والكبد والمعدة ، لقصور تصرّف المعدة فيه. والخَمْر من أكثر الأشياء ضرراً بها.
وقد يستحيل الى المرار فيكون ضرره أيضا شديدا وربّما شَنَّج وأحدث فُواقا رديئا ولذعا فى المعدة. وأكثر ذلك إذا كانت المعدة إلى حرارة.
وأفضل إخراجه بالقىء ، فان سَهُل بنفسه نفع ، وإلّا شُرب عليه الماء الحارّ وحده أو مع عسل. ثمّ بعد القَيء يغسل وجهه بماء وخلّ او بماء وَرْدٍ وخلّ لأجل ما يتصعّد إلى الدِّماغ من البُخار ، ثمّ يغسل فمه ثمّ يشرب بعض الأشربة المقوّية للمعدة المانعة من تصعُّد البخار ، كشراب الحُمّاض أو شراب