[قال جابر] ثم أنشأ أمير المؤمنين [عليهالسلام] يقول :
ما أحسن الدنيا وإقبالها |
|
إذا أطاع الله من نالها |
من لم يواس الناس من فضله |
|
عرّض للإدبار إقبالها |
فاحذر زوال الفضل يا جابر |
|
وأعط من دنياك من (١) سالها |
فإنّ ذا العرش جزيل العطا |
|
يضعف بالحبّة أمثالها (٢) |
قال جابر : ثم هزّني إليه هزّة خيل إلي أن عضدي خرقت من كاهلي (٣) [ثم] قال :
يا جابر بن عبد الله حوائج الناس إليكم نعم من الله عليكم فلا تملّوا النعم فتحلّ بكم النقم!!! واعلموا أنّ خير المال ما أكسب حمدا أو أعقب أجرا (٤).
ثم أنشأ [عليهالسلام] يقول :
لا تخضعنّ لمخلوق على طمع |
|
فإنّ ذلك وهن منك في الدّين |
وسل إلهك ممّا في خزائنه |
|
فإنّما هي بين الكاف والنّون |
أما ترى كلّ من ترجو وتأمله |
|
من البريّة مسكين ابن مسكين |
ما أحسن الجود في الدنيا وفي الدين |
|
وأقبح البخل فيمن صيغ من طين |
قال جابر بن عبد الله : فهممت أن أقوم فقال : وأنا معك يا جابر. قال : فلبس نعليه وألقى رداءه على منكبيه وطائفة فوق قذاليه (٥) فلما أن بلغنا جبّانة الكوفة (٦) سلّم على أهل القبور ، فسمعت ضجّة وهدّة فقلت : يا أمير المؤمنين ما هذه الضجّة وما هذه الهدّة؟ فقال : هؤلاء إخواننا كانوا بالأمس معنا واليوم فارقونا!!! إخوان لا يتزاورون ، وأودّاء لا يعادون!!!
[قال :] ثم خلع نعليه وحسر عن رأسه وذراعيه وقال :
__________________
(١) هذا هو الظاهر ، وفي الأصل : «واعط من الدنيا لمن سالها».
(٢) إشارة إلى قوله تعالى في الآية : (٢٦١) من سورة البقرة : (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ ، وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ ، وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ)
(٣) كذا في الأصل ، وفي مناقب الخوارزمي : «خيل لي أن عضدي خرجت من كاهلي».
(٤) وفي مناقب الخوارزمي : «واعلموا أن خير المال ما اكتسب به حمدا وأعقب أجرا».
(٥) القذال : ما بين الأذنين من مؤخر الرأس.
(٦) الجبان والجبانة ـ بفتح الجيم والباء المشددة ـ : المقبرة. الصحراء.