ومن هذا الباب : العَفْو : المكان الذى لم يُوطأ. قال :
قبيلةٌ كشِراك النَّعل دارجةٌ |
|
إنْ يَهبِطوا العَفْوَ لا يوجدْ لهم أثرُ (١) |
أى إنّهم من قلتهم لا يُؤثِّرون فى الأرض.
وتقول : هذه أرضٌ عَفْو : ليس فيها أثر فلم تُرعَ وطعامٌ عَفْو : لم يَمَسَّه قبلّك أحد ، وهو الأُنُف.
فأمَّا قولُهم عفا : درس ، فهو من هذا ؛ وذلك أنّه شىء يُترَك فلا يُتعهَّد ولا يُنزَل ، فيَخفى على مرور الأيّام. قال لبيد :
عَفَتِ الدِّيار محلُّها فمُقامها |
|
بمِنًى تأبَّد غَوْلُها فِرجامُها (٢) |
ألا تراه قال «تأبَّد» ، فأعْلَمَ أنَّه أتى عليه أبَدٌ. ويجوز أن يكون تأبَّد ، أى الِفَتْه الأوابد ، وهى الوحش.
فهذا معنى العفو ، وإليه يرجع كلُّ ما أشبهه.
وقول القائل : عفا : درس ، وعفا : كثُر ـ وهو من الأضداد ـ ليس بشىء ، إنّما المعنى ما ذكرناه ، فإذا تُرِك ولم يُتعهَّد حتّى خَفِيَ على مَرّ الدهر فقد عفا ، وإذا تُرِك فلم يُقطَع ولم يُجَزَّ فقد عفا (٣). والأصل فيه كلِّه التَّرك كما ذكرناه.
ومن هذا الباب قولهُم : عليه العَفاء ، فقال قومٌ هو التُّراب ؛ يقال ذلك فى الشَّتيمة. فإن كان صحيحاً فهو التُّراب المتروك الذى لم يُؤثَّر فيه ولم يُوطَأ ؛ لأنّه إذا
__________________
(١) للأخطل فى ديوانه ٢٨٩ واللسان (عفا). وهو من أبيات يهجو بها كعب بن جعيل التغلى.
(٢) البيت مطلع معلقته المشهورة.
(٣) يعنى بذلك الصوف والشعر ونحوهما.