إنه بين خوف ورجاء وقرب وتناء. وقال بعضهم : تمنى أن يضيع قلوصه فيبقى في في عزة. فيكون ببقائه في حيها كذى رجل صحيحة ، ويكون في فقد قلوصه كذى رجل عليلة. قال اللخمي : وهذا القول هو المختار المعوّل عليه ، وهو الذي يدل عليه ما قبل البيت. والتهيام : بفتح أوله ، مصدر للمبالغة من الهيام ، والهيام كالجنون من العشق. وقال القالي في أماليه (١) : حدّثنا أبو بكر بن دريد ، عن الرياشي ، عن ابن سلام ، عن عزيز بن طلحة بن عبد الله (٢) ، عن عمه هند بن عبد الله ، قال : بينا أنا مع أبي بسوق المدينة إذ أقبل كثير ، فقال له أبي : هل قلت بعدي شيئا يا أبا صخر؟ قال هند : فأقبل عليّ ، وقال : احفظ هذه الأبيات ، وأنشدني :
وكنّا سلكنا في صعود من الهوى |
|
فلمّا توافينا ثبتّ وزلّت |
وكنّا عقدنا عقدة الوصل بيننا |
|
فلمّا توافينا شددت وحلّت (٣) |
فواعجبا للقلب كيف اعترافه |
|
وللنّفس لمّا وطّنت كيف ذلّت |
وللعين أسراب إذا ما ذكرتها |
|
وللقلب وسواس إذا العين ملّت |
وإنّي وتهيامي بعزّة بعد ما |
|
تخلّيت ممّا بيننا وتخلّت |
لكالمرتجى ظلّ الغمامة كلّما |
|
تبوّأ منها للمقيل اضمحلّت |
فإن سأل الواشون : فيم هجرتها |
|
فقل : نفس حرّ سلّيت فتسلّت |
وقال أبو الحسن بن طباطبا في كتاب عيار الشعر (٤) : قال العلماء : لو أن كثيرا جعل قوله : (فقلت لها يا عز كل مصيبة ...) في وصف حرب لكان أشعر الناس. ولو جعل قوله : (أسيئي بنا ... البيت) في وصف الدنيا كان أشعر الناس.
__________________
(١) ١ / ٦٥ ـ ٦٦
(٢) في الامالي : (غرير).
(٣) في الامالي : (فلما تواثقنا).
(٤) ص ٨٥ ، وانظر الموشح ١٤٦