فانصرف جرير مغضبا. وكان جرير يومئذ بالبصرة نازلا على امرأة من بني كليب ، فبات في علّيّة لها ، وهي في سفل دارها ، فقالت المرأة : فبات نيلته لا ينام ، يتردّد في البيت ، حتى ظننت أنه قد عرض له (جنّي ، أو سنح له بلاء) (١) حتى فتح له :
أقلّي اللّوم عاذل والعتابا |
|
وقولي ، إن أصبت ، لقد أصابا |
(حتى قال) (٢) :
إذا غضبت عليّ بنو تميم |
|
حسبت النّاس كلّهم غضابا |
ثم أصبح في المربد فقال : يا بني تميم ، قيّدوا : أي اكتبوا ، فلم يجب الراعي ولم يهجه جرير بغيرها.
فقال بعض رواة قيس وعلمائهم : كان الراعي فحل مضر ، فضغمه الليث ، يعني جريرا ، وبعد البيت الأول :
أجدّك لا تذكّر عهد نجد |
|
وحيّا طال ما انتظروا الإيابا |
أقلى : أمر من الإقلال ، ومن القلة. واللوم : بالفتح ، العذل. وعاذل : منادى مرخم عاذلة. ولقد أصابا : مقول القول. وأجدك : أي يجد منك هذا ، فنصبه على نزع الباء ، قاله الأصمعي. وقال أبو عمرو : معناه مالك أجد منك ، ونصبه على المصدر. قال ثعلب : ما أتاك من الشعر من قولك أجدك فهو بكسر الجيم. وإذا قال بالواو ، وجدك فهو بفتحها. وقال الجوهري : أجدك وأوجدك بمعنى ، ولا يتكلم به إلا مضافا. والأياب ، بكسر الهمزة ، الرجوع. والبيت شاهد لدخول تنوين الترنم في الفعل والإسم المعرّف باللام.
__________________
(١) مزيدة ، وانظر الخبر بالاغاني ٨ / ٣٠ ـ ٣١ و ٢٠ / ١٦٩ وطبقات الشعراء ٣٧٤
(٢) مزيدة.
(٣) في الطبقات : (عليك بنو تميم).