وغيرهم ممّا لا مجال لذكرهم.
ورعه وعبادته :
كان (رحمه الله تعالى) متعبّداً في الغاية ، مكثاراً من تلاوة كتاب الله المجيد ، بحيث ذكره بعض الثقات أنّه كان يقرأ كلّ ليلة خمسة عشر جزءاً من القرآن ، مواظباً على أداء النوافل ، لم يفته شيء منها منذ أن بلغ سنّ التكليف حتّى مات. مجدّاً ساعياً في تزكية نفسه النفيسة ، وتصفية باطنه الشريف ، حتّى اشتهر أنّه لم يضع جنبه على فراشه بالليل في مدّة أربعين سنة.
مكاشفاته :
ذكر قدّس سرّه في بعض المواضع أنّه كثيراً ما يودع جسده الشريف ويخرج إلى سير معارج الملكوت ، ثمّ يرجع إليه مكرهاً ، والله أعلم بحقيقة مراده ، وخبيئة فؤاده.
قال قدّس الله سرّه : كنت ذات يوم من أيّام شهرنا هذا ، وقد كان يوم الجمعة سادس عشر شهر رسول الله صلى الله عليه وآله شعبان المكرّم لعام ثلاث وعشرين وألف من هجرته المقدّسه ، في بعض خلواتي أذكر ربّي في تضاعيف أذكاري وأورادي باسمه الغني فاُكرّر «يا غنيّ يا مغني» مشدوهاً بذلك عن كلّ شيء إلّا عن التوغّل في حريم سرّه والإمحاء في شعاء نوره ، فكان خاطفة قدسيّة قد ابتدرت إليّ فاجتذبتني من الوكر الجسدانيّ ، ففللت (١) حلق شبكة الحسّ ، وحللت عقد حبالة الطبيعة.
وأخذت أطير بجناح الورع في جوّ ملكوت الحقيقة ، فكأنّي قد خلعت بدني ، ورفضت عدني ، ومقوت خلدي ونضوت جسدي ، وطويت إقليم الزمان ، وصرت إلى عالم الدهر.
فإذا أنا في مصر الوجود بجماجم اُمم النظام الجملي من الإبداعيّات والتكوينيّات والإلهيّات والطبيعيّات والقدسيّات والهيولانيّات والدهريّات والزمنيّات ، وأقوام الكفر والإيمان وأرهاط الجاهليّة والإسلام من الدارجين والدارجات والغابرين والغابرات والسالفين والسالفات ، والعاقبات في الأزل والآباد.
__________________
١. في البحار : ففككت.