وَمَعَ غَضِّ النَّظَرِ عَنْ ضَعْفِ السَّنَدِ بِأَدْنَى الْتِفَاتٍ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بَاهَلَ بِهِمْ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ دُونَ أُسَامَةَ وَأَقْرَانِهِ مِنْ جَمِيعِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ، يُسْتَكْشَفُ أَنَّ الرَّاوِيَ سَهَا فِي هَذَا الْخَبَرِ وَنَظِيرِهِ ، أَوْ أَنَّهُ اخْتَلَقَهُ لِلْحَطِّ عَنْ مَقَامِ نَفْسِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَوْ لِتَرْفِيعِ مَقَامِ أُسَامَةَ ، وَمِنَ الْبَدِيهِيِّ فِي الشَّرِيعَةِ أَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ وَرَسُولِهِ لِأَحَدٍ لَيْسَتْ جَزَافاً وَبِلَا مَصْلَحَةٍ وَحِكْمَةٍ ، بَلْ إِمَّا لِمَزَايَا نَفْسِيَّةٍ ـ أَكْمَلُهَا إِعْدَادُ الشَّخْصِ نَفْسَهُ لِلْعَمَلِ بِوَظَائِفِ الْعُبُودِيَّةِ وَالِانْقِيَادُ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ ـ وَإِمَّا لِتَفَانٍ عَمَلِيٍّ فِي سَبِيلِ اللهِ وَرَسُولِهِ ، وَالثَّانِي إِذَا كَانَ كَثِيرَ الْوُقُوعِ يَسْتَلْزِمُ الْأَوَّلَ ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ.
وَإِذَا رَاجَعْنَا سِيرَةَ أُسَامَةَ وَقَايَسْنَاهَا بِسِيرَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : نَجِدُ نِسْبَتَهَا إِلَيْهَا كَالْقَطْرَةِ إِلَى الْبَحْرِ بَلْ نِسْبَةِ الْعَدَمِ الصِّرْفِ إِلَى الْوُجُودِ الْكَامِلِ الرَّاقِي فِي كَمَالِهِ.
سُبْحَانَ اللهِ أُسَامَةُ الَّذِي قَتَلَ الرَّاعِيَ الَّذِي أَظْهَرَ إِسْلَامَهُ عَلَيْهِ ، لِأَجْلِ اسْتِبَاحَةِ شِيَاتِهِ ، فَنَزَلَ فِيهِ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً) [٩٣ ك النِّسَاءَ] أَهَذَا أَفْضَلُ مِنْ نَفْسِ النَّبِيِّ أَوْ يُسَاوِي قُلَامَةَ ظُفْرِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِي نَزَلَ فِي شَأْنِهِ : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً!) وَقَدْ كَانَ الْأَسِيرُ كَافِراً!!.
وَنَزَلَ فِيهِ أَيْضاً : (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ).
سُبْحَانَ اللهِ أُسَامَةُ أَحَبُّ إِلَى رَسُولِ اللهِ مِنْ نَفْسِهِ وَقَدْ سَمِعَ مِرَاراً تَأْكِيدَ رَسُولِ اللهِ لَهُ أَنْ يَزْحَفَ بِجَيْشِهِ إِلَى مُؤْتَةَ حَتَّى قَالَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ : لَعَنَ اللهُ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْ جَيْشِ أُسَامَةَ. فَتَعَلَّلَ وَلَمْ يَزَلْ عَنْ عَسْكَرِهِ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَصَارَ غَرَضُ رَسُولِ اللهِ مِنْ هَذَا الْبَعْثِ مَنْقُوضاً!!
يَا لَلْعَجَبِ أَلِأُسَامَةَ فَضْلٌ وَقَدْ تَخَلَّفَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَتَمَرَّدَ عَنِ امْتِثَالِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) [٨ ـ الْحُجُرَاتِ] وَقَدْ رَأَى بَغْيَ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ بِعَيْنِهِ وَنَقْضَهُمَا بَيْعَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بِلَا أَيِّ جِهَةٍ ، وَقَدْ قَتَلَا الْمُؤْمِنِينَ بِالْبَصْرَةِ قَبْلَ قُدُومِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَسَنَّا سُنَّةَ الضَّلَالَةِ لِلْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ الْأُخْرَى مُعَاوِيَةَ وَأَشْيَاعِهِ!!
هَذَا كُلُّهُ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ حَدِيثِ سَدِّ الْأَبْوَابِ وَالطَّيْرِ وَالرَّايَةِ وَوَ وَ ، وَإِنْ لَاحَظْتَهَا لَتَقُولُ بِلَا أَيِّ تَأَمُّلٍ : هَذَا بُهْتَانٌ مُبِينٌ!!