أصحابه ، وقال : إني قد أذنت لكم فانطلقوا في هذه الليلة ، فاتخذوه جملا ، وتفرقوا في سوادكم ومدائنكم ، فإن القوم إنما يطلبوني ، ولو قد أصابوني لهوا عن طلب غيري. فقال أخوه العباس : لم نفعل ذلك لنبقى بعدك ، لا أرانا الله ذلك أبدا. ثم تكلم إخوته وأولاده وبنو أخيه وبنو عبد الله بن جعفر بنحو ذلك ، فقال الحسين : يا بني عقيل ، حسبكم من الفتك بمسلم ، اذهبوا فقد أذنت لكم. فقالوا : لا والله ، بل نفديك بأنفسنا وأهلينا ، فقبح الله العيش بعدك.
وقال مسلم بن عوسجة : والله لو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لرميتهم بالحجارة ، وقال سعيد بن عبد الله الحنفي : والله لا نخليك حتى يعلم الله أننا قد حفظنا غيبة رسول الله فيك ، والله لو علمت أني اقتل ، ثم أحيا ، ثم احرق حيا ، ثم أذرى تسعين مرة ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك. وتكلم جماعة [من] أصحابه بنحو هذا ، فلما أمسى الحسين جعل يصلح سيفه ويقول مرتجزا :
يا دهر أف لك من خليل |
|
كم لك بالاشراق والأصيل |
من صاحب أو طالب قتيل |
فلما سمعه ابنه علي خنقته العبرة ، فسمعته زينب بنت علي ، فنهضت إليه وهي تقول : واثكلاه ، ليت الموت أعدمني الحياة ، اليوم ماتت فاطمة أمي ، وعلي أبي ، يا خليفة الماضي ، وثمال الباقي. فقال لها الحسين : أخيّة ، لا يذهب حلمك الشيطان.
وترقرقت عيناه ، فلطمت وجهها ، وشقت جيبها ، وخرّت مغشية عليها. فقام إليها الحسين عليهالسلام فرشّ الماء على وجهها ، وقال : يا أخيّة اعلمي أن أهل الأرض يموتون ، وأهل السماء لا يبقون ، ولي اسوة برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وإني اقسم عليك يا اخية لا تشقي علي جيبا ولا تخمشي وجها.
وقام الحسين وأصحابه يصلون الليل كله ، ويدعون ، فلما صلّى عمر بن سعد الغداة ـ وذلك يوم عاشوراء ـ خرج فيمن معه من الناس ، وعبّأ الحسين أصحابه ، وكانوا اثنين وثلاثين فارسا ، وأربعين راجلا ، ثم ركب الحسين دابته ، ودعى بمصحف