__________________
من الفقهاء حول أفضلية علي ، وليس هنا متسع رواية نصها نظرا لطولها ، فمن الأنسب تلخيصها تلخيصا لا يخل بجوهرها ، فقد طلب المأمون من قاضي قضاته يحيى بن أكثم أن يصحب اليه أربعين رجلا كلهم فقيه يفقه ما يقال له ويحسن الجواب. فدخلوا على المأمون وعليه سواده ، فهو إذن قد خلع الخضرة ورجع إلى شعار آبائه ، فلما جلسوا وطارحهم المأمون حديثا يزيل به وحشتهم ذكر لهم السبب الذي دعاهم من أجله وهو مناظرتهم في مذهبه الذي هو عليه والذي يدين الله به ومؤداه أن علي بن أبي طالب خير خلفاء الله بعد رسوله صلىاللهعليهوسلم وأولى الناس بالخلافة له. فلما اعترض أحد الفقهاء واسمه إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل على هذا المذهب دخل معه المأمون في مناظرة طويلة بدأت بتقرير مبدأ أساسي هو أن محك التفاضل بين الناس : العمل الصالح. وانطلاقا من هذا المبدأ أخذ المأمون يوازن بين فضائل علي وفضائل غيره من الصحابة. وانتهت به الموازنة إلى أن فضائل علي أثقل ميزانا من فضائل سواه ، فقد كان علي أسبق إسلاما وأكثر جهادا في سبيل الله وأسخى بما ملكت يمينه ، وهو الذي نزل فيه قوله تعالى : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً). كما ثبت علي يوم حنين مع ستة آخرين كلهم من بني هاشم وانهزم الباقون عن الحرب بما اكتنفه من مخاطر محدقة فدائية لا تدانى. وقد كانت موازنة الرسول.
ثم إن مبيته في فراش رسول الله حين هاجر إلى المدينة بما اكتنفه من مخاطر محدقة فدائية لا تدانى. وقد كانت موازنة المأمون في الغالب تدور حول علي وأبي بكر لما يتمتع به الصديق من مكانة ظاهرة في قلوب المسلمين ، فأفضلية علي على أبي بكر تعنى بالضرورة أفضليته على غيره من الصحابة. والملاحظ أن المأمون حين يوازن بين علي وأبي بكر ويفضل عليا لا ينكر فضل أبي بكر بل ينكر أفضليته ، وذلك حيث يقول : لو لا أن له فضلا لما قيل إن عليا أفضل منه. وبعد أن يفرغ المأمون من مناظرته مع الفقهاء ويبدي الفقهاء اقتناعتهم بوجهة نظره يعقب قائلا : اللهم إني قد نصحت لهم القول ، اللهم إني قد أخرجت الأمر من عنقي ، اللهم إني أدينك بالتقرب إليك بحب علي وولايته.