__________________
الفقه والحديث والسير ، أقر منها النبي صلىاللهعليهوسلم ما وقع منها في الزمن النبوي ، وكم من قضية أفتى فيها الصحابة وخالفهم فيها علي ، فرجعوا على الفور إلى رأيه إنصافا ووقوفا مع الحق ، فضلا عن كثرة القضايا التي اجتهد فيها ، فانفرد برأيه تارة وشاركه في بعضها صحابة آخرون تارة ثانية.
نعم لقد كان لعلي بن أبي طالب أثر كبير في الفقه الإسلامي من حيث : نموه وتكوينه ومنهجه وأسسه وما إلى ذلك من جوانب مختلفة تتصل بالتشريع الإسلامي.
ومن ثم فإننا لا نبالغ إذا قلنا بأن لعلي منزلة كبيرة عند الفقهاء جميعا سواء السني منهم أو الشيعي ، وإن الناظر في آراء علي الفقهية التي اعتنقها أئمة المذاهب المختلفة لدليل كاف على صدق هذا القول.
ولعل كثرة فتاوى علي وأحكامه ترجع إلى أنه مكث نحوا من ثلاثين سنة بعد أن قبض الله تعالى رسوله إليه يفتي ويرشد ويوجه ، وقد كان غواصا طالبا للحقائق ، وقد أقام في الكوفة نحو خمس سنوات ولا بد أنه ترك فيها فتاوى وأقضية ، وكان فيها المنفرد بالتوجيه والإرشاد ، وإنه قد عرف بغزارة في العلم وعمق ، وانصراف إلى الإفتاء في مدة الخلفاء قبله ، والمشاركة في كل الأمور العميقة التي تحتاج إلى فحص وتقليب من كل وجوهها مع تمحيص وقوة استنباط.
إذن على ضوء هذا فإن ما ذهب إليه ابن القيم تعوزه الدقة العلمية ، إذ ادعى أن العلم انحصر في أربعة من الصحابة هم ابن مسعود وابن عباس وابن عمر وزيد فقال : والدين والفقه انتشر في الأمة عن أصحاب ابن مسعود ، وأصحاب زيد بن ثابت وأصحاب عبد الله بن عمر وأصحاب عبد الله بن عباس فعلم الناس عامة إلى هؤلاء الأربعة ، فأما أهل المدينة فعلمهم عن زيد بن ثابت وعبد الله بن عمر ، وأما أهل مكة فعلمهم عن أصحاب عبد الله بن عباس ، وأما أهل العراق فعلمهم عن أصحاب عبد الله بن مسعود.
هذا هو نص ما قاله ابن القيم ، ولكن ما نطقت به كتب السنة وشروح الحديث والفقه وغيرها من عيون التراث الإسلامي لتدل على خلاف ذلك ، إذ جمعت هذه الكتب بين دفتيها تراثا علميا تليدا لغير هؤلاء الأربعة الذين ذكرهم ابن القيم كعلي