__________________
لا نبي بعدي فبقي ما عدى النبوة المستثناة ثابتا لعلي من كونه أخاه ووزيره وعضده وخليفته على أهله عند سفره إلى تبوك وهذه من المعارج الشراف ومدارج الإزلاف فقد دل الحديث بمنطوقه ومفهومه على ثبوت هذه المزية العليّة لعلي (ع) وهو حديث متفق على صحته.
وثالث ذلك ورابعه قوله (ص): أنت مني وأنا منك وعلي مني وأنا من علي والكلام فيهما واحد.
وإيضاح معناهما وتبيين مقتضاهما أن لفظة «من» موضوعة لمعان كثيرة لكنّها في مثل هذا النمط من الكلام حقيقتها الجزئية كقوله تعالى (خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) وقوله (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ) وكقوله (ص) فاطمة بضعة مني فحقيقتها في مثل هذا التركيب من القول الجزئية ولهذا الجزئيّة لوازم فإنّ كون الشيء جزءا من الإنسان كالولد والرأس والعين وسائر الأعضاء والأجزاء يلازمه أن ذلك الإنسان بجهده يدفع عن جزئه الأذى من تطرق المكاره إليه ويجتهد في حراسته وفي إيصال كلّما فيه نفعه إليه في حفظ صحته ، هذا من لوازم حقيقة الجزئيّة وقد صرح النبي (ص) بهذه اللوازم لما قال : فاطمة بضعة مني يريبني ما يريبها ويؤذيني ما يؤذيها وتقدم ذكر ذلك فلما لم يمكن إثبات الحقيقة تعيّن حمل اللفظ على لوازمها على ما علم من استعمال اللفظ في لوازم الحقيقة وهاهنا الحقيقة غير مرادة لانتفائها لأنّ عليا (ع) ليس جزءا من ذات النبي (ص) ولا النبي جزءا من ذات علي فيكون المراد بهذا القول إثبات لوازم الحقيقة من إرادة حراسته عن المكاره ومدافعة الأذى عنه والسعي في إيصال المنافع إليه والإشفاق التام عليه وقد تقدم تقرير ذلك في لوازم الأخوة ، في هذا الأمر ما يحكم لعلي (ع) بعلوّ الرتبة ويسجل له بسموّ المكانة والمنزلة قد تضمن هذا الفضل وما قبله من حميد مزاياه وجميل سجاياه ومحبّة الله ورسوله ايّاه ورعايته في منقلبه ومثواه من حين كفله وربّاه وعنايته بأمره حتى هداه منهج هداه وزوّجه ابنته البتول فرفع قدره وأعلاه وأزلفه من نفسه فاختص بها وأخاه بما عمه من المحاب والمنح فحباه ما تطرب تلاوة سورته فؤاد ذي الأحزان وتسلب حلاوة