ولكنه يفاجأ بهذا اللطف ، فلم يتمالك من أن يطلقها صرخة مدوية ترددها الرحاب الطاهرة ، وتؤمن عليها الحناجر المؤمنة ممن حضر مجلس النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهم يشاهدون ذلك الشاب المذنب يردد : الله اكبر .
وهل يقف عطاء الله ، أو هل يعرض بوجهه الكريم عن عبده المذنب ، وقد جاء ينهل من فيض رحمته .
ويأتي الجواب : بلا .
بل ترى في مورد آخر صورة من صور العطف الكريم تحدد اطاره الآية الكريمة في قوله تعالى :
( مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ) (١) .
الحسنة الواحدة إذا عملها كتبت له عشر حسنات ، أما إذا عمل السيئة فلا تكتب له إلا واحدة . وهذا معناه تضاؤل السيئات أمام الحسنات المتضاعفة ، وبالأخير عدم تأثير السيئات للأثر المخصص لها ، وعلى الأخص لو فرضنا أن الإِنسان المذنب قد أوقف تتابع السيئات بتوبته ، والتزامه بالاسس الخيرة ، والمبادىء الحميدة ، فإن ما يأتي به من الحسنات ، وما يضاعفه الله بإتيانها سيؤدي حتماً الى محو السيئات التي أرتكبها . وهذه صورة اخرى من صور تبديل السيئات بالحسنات . وهي صورة واضحة من صور الحنو ، والعطف ، والرحمة من الله عز وجل . وهي معاملة ملؤها
__________________
(١) سورة الأنعام : آية (١٦٠) .