روى الجارود بن المنذر : قال لي أبو عبد الله الصادق : بلغني أن لك ابنة فتسخطها ، ما عليك منها؟ ريحانة تشمها ، قد كفيت رزقها ، وقد كان رسول الله أبا بنات.
وأي مثل في الإسلام كمثل رسول الله ، وأي نعمة أن يكون للمرء ريحانة أو رياحين ، وأي فضل كفضل البنات ، يكفي رزقهن الله! يقول الصادق : إن إبراهيم سأل ربه ابنة تبكيه وتندبه بعد موته ، لينبه على بقاء الوفاء في أفئدة البنات بعد الممات.
وقال أيضا :
جاء مجلس الإمام يوما جماعة من الزهاد يريدون منه إظهار التقشف والزهد الكامل ، فقال لهم :
حدثني أبي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : ابدأ بمن تعول ، الأدنى فالأدنى ، هذا ما نطق به الكتاب ردا لقولكم ، قال العزيز الحكيم (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً). أفلا ترون أن الله تعالى قال غير ما أراكم تدعونني إليه؟ فنهاهم عن الإسراف ونهاهم عن التقتير ، فلا يعطي جميع ما عنده ثم يدعو الله أن يرزقه فلا يستجيب له ، للحديث الذي جاء عن النبي : إن أصنافا من أمتي لا يستجاب دعاؤهم : رجل يدعو على والديه ، ورجل يدعو على غريم ذهب له بمال فلم يكتب عليه ولم يشهد عليه ، ورجل يدعو على زوجته وقد جعل الله تخلية سبيلها بيده ، ورجل يقعد في بيته ويقول : رب ارزقني ، ولا يطلب الرزق ، فيقول الله عزوجل : يا عبدي ألم أجعل لك السبيل إلى الطلب ، ألم أرزقك رزقا واسعا؟ فهلا اقتصدت كما أمرتك ولم تسرف فيه وقد نهيتك عن الإسراف. ورجل يدعوني في قطيعة رحم. ثم علم الله عزوجل كيف ينفق فقال : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً). فهذه أحاديث رسول الله يصدقها الكتاب ، والكتاب يصدقه أهله من المؤمنين ، وفيهم سلمان الفارسي وأبو ذررضياللهعنهما.
فأما سلمان فكان إذا أخذ عطاءه رفع منه قوته حتى يحضر عطاؤه من قابل. فقيل له: