__________________
ثم رفع رأسه وقال : أظنك صادقا.
هذه أجوبة الصادق برقتها وصدقها ، وذاك كلام المنصور بخشونته وقسوته ، وكل منهما يعتز بسلطان يعتمد عليه.
فإما منا الصادق يعتز بسلطان الله الذي يغلب كل سلطان ولو بعد حين.
والمنصور يعتز بسلطان الحكم وقوة الجند ، وهو زائل ولو بعد حين.
وما ان انتهت مسألة الخروج ـ خروج الأخوين الكريمين ـ انتهت حتى استدعى المنصور الإمام جعفر من المدينة المنورة ، مرة أخرى إلى بغداد.
فكتب إلى واليه وابن عمه داود بن علي أن يسير إليه جعفر بن محمد ولا يرخص له في التلوم (التمكث) والبقاء ، وكان القصد من ذلك هو التحقيق معه في التهمة الموجهة إليه بأنه يجمع الزكاة من جميع الآفاق وأنه مد بها محمد بن عبد الله بن الحسن فكان التحقيق التالي :
المنصور : يا جعفر ما هذه الأموال التي يجبيها لك المعلى بن خنيس؟
الصادق : معاذ الله من ذلك يا أمير المؤمنين.
المنصور : ألا تحلف على براءتك من ذلك بالطلاق والعتاق؟
الصادق : نعم أحلف بالله أنه ما كان شيء من ذلك.
المنصور : بل تحلف بالطلاق والعتاق.
الصادق : أما ترضى بيميني بالله الذي لا إله إلا هو.
المنصور : لا تتفقه عليّ؟
الصادق : وأين يذهب الفقه مني.
المنصور : دع عنك هذا فإني أجمع الساعة بينك وبين الرجل الذي رفع عليك هذا حتى يواجهك. فأتوه بالرجل وسألوه بحضرة جعفر. فقال : نعم هذا صحيح وهذا جعفر بن محمد الذي قلت فيه ما قلت.
الصادق : أتحلف أيها الرجل أن الذي رفعته صحيح؟
الرجل : نعم ، ثم ابتدأ باليمين فقال : والله الذي لا إله إلا هو الطالب الغالب الحي القيوم.
الصادق : لا تعجل في يمينك فإنني أستحلفك.