__________________
تلك هي محنة إمامنا الجليل جعفر الصادق رضياللهعنه مع أبي جعفر المنصور.
لقد حدّث الصادق آباءه الأئمة الطيبون ، حدّثوه عن خذلان الناس لجده أبي عبد الله الحسين رضياللهعنه في ساعة العسرة ، كما حدّثوه عن الخيانة التي كانت سببا بإنزال الفاجعة العظمى بأهل البيت ، بيت النبوة والرسالة ، تلك التي سوّدت وجه تاريخ الأمة الإسلامية ، حيث قتل ابن دعيها ابن نبيها ... ولا حول ولا قوة إلا بالله.
كما رأى الصادق عمه الإمام زيدا ، كيف كانت نهايته ونهاية أولاده ، حين اعتمد على من اعتمد ، فخانوا الإمام ونكثوا العهود ، فحلت النكبة وكانت المصيبة ، حيث قتل الإمام زيد قتلة آثمة ، ثم نبش قبره من بعد ما وري عليه التراب ، فصلب جثمانه الطاهر ، وذبح أبناؤه البررة.
وقد مرت تلك الفاجعة ولكنها تركت ندوبا في نفس الإمام الصادق صفي زيد ورفيق صباه ، وزادته بحال الشيعة في عصره ، الذين كانوا يغرون ولا ينصرون ويتكلمون ولا يفعلون ويحرضون وعند الشديدة يفرون ، وأن المغرور من يخدع بهم كما قال إمام الهدى علي كرم الله وجهه في إخوان لهم قبل.
وكما قال الإمام السبط الحسين يوم فاجعته بالطف.
ثم رأى رضياللهعنه أخيرا فعل المنصور بأولاد عمومته الأخوين الكريمين محمد بن عبد الله بن الحسن وأخيه إبراهيم حين خرج الأول في المدينة والثاني في العراق على حكم أبي جعفر المنصور.
وشاهد بأم عينيه حوادث المحن ووقائع المصائب ، من مطاردة وملاحقة وتشريد وسجون ومصادرة أموال أهل البيت النبوي الكريم حتى لم تنج من ذلك ، تلك الشيبة الطاهرة عميد هذا البيت الرفيع العماد عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن السبط ، فمات في السجن مكموما سنة ١٤٥ عقيب هذا الخروج.
في هذا الجو الإرهابي الفظيع ، عاش الإمام الصادق ، فكان لا بد أن يصيبه شيء من ذيول ذلك الإرهاب العنيف ولو أنه وقف بعيدا عن ذلك الخروج ولو أن المنصور كان يصانعه الود والاحترام.
فالمنصور كان يتوجس خيفة من الإمام الجليل ، وهذه الهواجس تدفعه إلى الشك أحيانا ،