فإذا كان الأئمة عليهمالسلام يعلمون أن مصيرهم ـ مع هؤلاء ـ هو الموت ، ويعرفون أن الظلمة يكيدون لهم المكائد ، ويتربصون بهم الدوائر ، ويدبرون لقتلهم والتخلص من وجودهم ، ويسعون في أن ينفذوا جرائمهم في السر والخفاء ، لئلا يتحملوا مسؤولية ذلك ، ولا يحاسبوا عليه أمام التاريخ! ولو تم لهم إبادة هؤلاء الأئمة سرا وبالطريقة التي يرغبون فيها ، لكان أنفع لهم ، وأنجع لأغراضهم!
لكن الأئمة عليهمالسلام لا بد أن يحبطوا هذه المكيدة على الظلمة القتلة ، يأخذوا بأيديهم زمام المبادرة في هذا المجال المهم الخطر ، ويختاروا بأنفسهم أفضل أشكال الموت ، الذي يعلن مظلوميتهم ، ويصرخ بظلاماتهم ، ويفضح قاتليهم ، ويعلن عن الإجرام والكيد الذي جرى عليهم ، ولا تضيع نفوسهم البريئة ، ولا دماؤهم الطاهرة ، هدرا.
فلو كان الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام يقتل في بيته ، أو في بعض الأزقة والطرق ، خارج المسجد.
فمن كان يفند الدعايات الكاذبة التي بثها بنو أمية بين أهل الشام بأن عليا عليهالسلام لا يصلي؟! فلما سمعوا أنه قتل في المسجد ، تنبهوا إلى زيف تلك الدعايات المضللة.
وإذا كان الإمام الحسين عليهالسلام ، يقتل في المدينة ، فمن كان يطلع عليه قضيته؟! وحتى إذا كان يقتل في (مكة) : فمضافا إلى أنه كان يعاب عليه أن حرمة الحرم قد هتكت بقتله! فقد كان يضيع دمه بين صخب الحجيج وضجيجهم!
بل إذا قتل الحسين عليهالسلام في أرض غير كربلاء ، فأين؟! وكيف؟! وما هو : تفسير كل النصوص التي تناقلتها الصحف ، والأخبار عن جده النبي المختار حول الفرات؟ وكربلاء؟ وتربتها الحمراء؟!
وهذا الاختيار يدل ـ مضافا إلى كل المعاني العرفانية التي نستعرضها ـ