أبو بكر . ثم ملك أخو عدي ، فاجتهد وشمر عشر سنين ، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره ، إلّا أن يقول قائل : عمر .
وان ابن أبي كبشة (١) ليصاح به كل يوم خمس مرات ( أشهد أن محمداً رسول الله ) فأي عمل يبقى ؟ وأي ذكر يدوم بعد هذا لا أباً لك ؟ لا والله إلّا دفناً دفناً (٢) .
وروى المدائني في كتاب الأحداث قال : كتب معاوية نسخة واحدة الى عماله بعد عام الجماعة : أن برئت الذمة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته .
وكتب اليهم : أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولايته والذين يروون فضائله ومناقبه فادنوا مجالسهم ، وقربوهم واكرموهم ، واكتبوا إليّ بكل ما يروي كل رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته . ففعلوا ذلك حتى اكثروا في فضائل عثمان ومناقبه ، لما كان يبعث اليهم معاوية من الصِلات والكِساء والحباء والقطائع ، ويفيضه في العرب منهم والموالي ، فكثر ذلك وتنافسوا في المنازل والدنيا ، فليس يجيء أحد مردود من الناس عاملاً من عمال معاوية فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلّا كتب اسمه وقربه وشفعه ، فلبثوا بذلك حيناً .
ثم كتب الى عماله : ان الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر وفي كل وجه وناحية ، فاذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس الى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين ، ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلّا واتوني بمناقض له في الصحابة مفتعلة فان هذا أحب إليّ ، وأقر لعيني ، وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته ، وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضله ، فقرئت كتبه على الناس ، فرويت اخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها .
وجدّ الناس في رواية ما يجري هذا المجرى حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر ، وأُلقي إلى معلمي الكتاتيب فعلموا صبيانهم وغلمانهم حتى رووه وتعلموه كما
__________________
(١) يعني رسول الله صلى الله عليه وآله ، وهي من تسميات المشركين الحاقدين .
(٢) شرح ابن أبي الحديد ٥ / ١٢٩ ـ ١٣٠ عن الموفقيات للزبير بن بكار .