ولكن محدّث الدولة أبو هريرة لم يلبث أن وضع حديثاً فيها ، فقال : أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت : صوم ثلاثة أيام في كل شهر ، وصلاة الضحى ، ونوم على وتر (١) .
وكان أول عمل قام به بعد احتلاله كرسي الخلافة أمره بسب أمير المؤمنين علي عليه السلام على منابر المسلمين ، فقد روي أن معاوية بن أبي سفيان لما ولى المغيرة بن شعبة الكوفة في جمادى سنة ٤١ دعاه وقال له : أردت ايصاءك باشياء كثيرة ، فأنا تاركها اعتماداً على بصرك بما يرضيني ، ويسعد سلطاني ويصلح به رعيتي ، ولست تاركاً ايصاءك بخصلة ، لا تتحمّ ! ( أي لا تتجنب ) عن شتم علي وذمه ، والترحم على عثمان والاستغفار له ، والعيب على أصحاب علي ، والاقصاء لهم ، وترك الاستماع منهم ، وباطراء شيعة عثمان والادناء لهم والاستماع منهم . . . فاقام المغيرة على الكوفة عاملاً لمعاوية سبع سنين واشهراً وهو من احسن شيء سيرة واشده حباً للعافية ، غير أنه لا يدع ذم علي والوقوع فيه . . . إلى آخره (٢) .
وروى الزبير بن بكار في الموفقيات ، عن المطرف بن المغيرة بن شعبة قال : دخلت مع أبي على معاوية ، فكان أبي يأتيه فيتحدث معه ، ثم ينصرف إليّ فيذكر معاوية وعقله ، ويعجب بما يرى منه ، إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء ، ورأيته مغتماً فانتظرته ساعة ، وظننت أنه لأمر حدث فينا فقلت : ما لي أراك مغتماً منذ الليلة ؟ فقال : يا بني ، جئت من أكفر الناس واخبثهم . قلت : وما ذاك ؟ قال : قلت له وقد خلوت به : إنك قد بلغت سنّاً يا أمير المومنين فلو أظهرت عدلاً ، وبسطت خيراً فانك قد كبرت ، ولو نظرت إلى اخوتك من بني هاشم فوصلت أرحامهم ، فو الله ما عندهم اليوم شيء تخافه ، وإن ذلك مما يبقى لك ذكره وثوابه ؟ فقال : هيهات هيهات ! أي ذكر أرجو بقاءه ؟ ملك أخو تيم فعدل وفعل ما فعل ، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره إلّا أن يقول قائل :
__________________
(١) سنن النسائي ٣ : ٢٢٩ .
(٢) شيخ المضيرة : ٢٠٢ وانظر تاريخ الطبري ٤ : ١٣٢ ، الكامل في التاريخ ٣ : ٤١٣ ، شرح نهج البلاغة ٤ : ٦٩ .