وكان الناس يصلون نافلة شهر رمضان فرادى واستمروا على ذلك مدة خلافة ابي بكر ، ولما جاء الخليفة الثاني استحسن ان يوحدهم بصلاة إمام واحد ، ففعل وعمم أمره الى سائر البلدان الاسلامية ، متحدياً السنة بالاستحسان وكان يقول نعمت البدعة هذه (١) .
نقول ان ما مر ذكره من اجتهادات الخليفة الثاني ليست إلّا غيضاً من فيض فمساهمة الخليفة الثاني بنفسه في تقوية هذا الوضع ، وتوهين أمر السنة الشريفة ، اكثر من ان يتم حصره في هذه الصفحات القليلة ، فلمزيد من الاطلاع يراجع كتاب النص والاجتهاد للامام شرف الدين ، والغدير للعلامة الكبير الاميني وغيرهما .
واما الأمر الأول ـ وضع الحديث ـ فلعلّ القاء اضواء يسيرة على حياة من اشتهروا بذلك ككعب ووهب كافية للتدليل على مدى المجال الذي فسح لهم في عهد الخليفة الثاني .
وأشهر من كوّنه الخليفة وربّاه على عينه كعب أحبار اليهود المعروف بكعب الاحبار (٢) .
فكعب قدم الى المدينة في خلافة عمر شيخاً شارف السبعين من عمره ، ولم يجئ اليها حين كان نور رسول الله صلى الله عليه وآله يغمر ارضها وقلوب الناس فيها ، ولا في خلافة أبي بكر ، بل جاء الى المدينة وقد أسلمت جزيرة العرب كلها ليدعي انه يريد أن يسلم . فأسلم ـ كما يقولون ـ على يد عمر ، واستبقاه عنده في المدينة ، وكان يسأله عن مبدأ الخلق وقضايا المعاد وتفسير القرآن وغير ذلك .
فأخذ كعب اليهودي يبث سمومه في المسلمين ، وقد بلغ من علو شأنه انه
__________________
(١) موطأ مالك ١ : ١١٤ ، كنز العمال ٨ : ٤٠٧ / ٢٣٤٦٦ .
(٢) هو كعب بن ماتع الحميري اليماني ، الذي كان يهوديا فأسلم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله ، وقدم المدينة من اليمن في أيام عمر ، فجالس اصحاب محمد صلى الله عليه وآله : فكان يحدثهم عن الكتب الاسرائيلية ويحفظ عجائب ، توفى بحمص في اواخر خلافة عثمان . سير أعلام النبلاء ٣ : ٤٨٩ فما بعد ترجمة ١١١ .