نعم ، إن الحديث طيلة القرن الأول قد حورب ومنع من كتابته ، ولكن ذلك لا يشكل دليلا شرعيا على صحة ما فعلوا ، ما دام الحديث حجة بنص القرآن ، وتأكيد الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم على المحافظة عليه ، ونشره وتبليغه.
مع أن المتشددين ضد تدوين السنة لم كونوا إلا القلة ـ من الحكام ومؤيديهم ـ ، وأما عامة الصحابة فكانوا مع التدوين ، وقائمين به ، ومؤكدين عليه من خلال أعمالهم ومؤلفاتهم ، وأقوالهم وتصريحاتهم.
وأما دعواه بالنسبة إلى من جمع الحديث في القرن الثالث ، فهي فارغة من كل دليل ، بل اعتمادهم على الصحف والكتب والكتابات ، فهو أمر معروف لا يحتاج إلى تصريح ، بعد كل حرصهم وتأكيدهم على التدوين والتأليف.
والمؤلف يعيد بعض هذه الدعاوى في ص ٥٧ ، ويقول في ص ١٤٥ :
|
(وعندما أمر الخليفة عمر بن عبد العزيز بتدوين السنة ، في بداية القرن الثاني للهجرة ، لم يكن في أيدي المسلمين أي كتاب ، أو صحيفة ، أو وثيقة تحوي شيئا من أحاديث النبي (ص) ... أما ما قيل عن بعض الصحف التي كتبت في عهد رسول الله ، فهي قد اندرست ، ولم يعرف شئ منها ، ولذلك اعتمد رجال الحديث في جمعه على الرواية والذاكرة ممن كانوا يحفظونه). |
وهل في اعتماد الرواية والذاكرة ممن كانوا يحفظونه ما يقتضي اندراس الكتب السابعة؟! أو في ذلك دلالة على عدم الحاجة إلى الكتابة؟! وهل الكتابة تنافي الحفظ على الذاكرة؟! كيف ، وهو قد افترض أن الكتب إنما كتبت كي تحفظ فإذا حفظت أتلفت ـ كما زعم ـ؟!
ومن أين كل هذه الدعاوى الطويلة العريضة ، على التاريخ وحوادثه ، وعلى الحديث ، وعلى المحدثين؟! هل (المنهج النقدي) يسمح بمثل هذه الدعاوى من دون دليل؟! والبحث إنما هو عن أمر يحتاج في معرفته إلى النقل