هي تكون ـ والحالة هذه ـ مؤثّرة ومفيدة في تلمّس الموقع الحقيقي والمناسب لشخصيّته العلمية والفكرية في مجال التقييم والتقويم ، كتأثيرها في إعطاء الانطباع المقبول والمشروع عن القيمة الحقيقية لِما قدّمه من نتاج ، لا سيما في مجال اختصاصه وبصورة أدقّ وأوفى.
نقول هذا مع الالتفات إلى أنّ إصابة الواقع في كلّ كبيرة وصغيرة أمر يكاد يلحق بالممتنعات ، إلاّ لمن أوقفه الله تعالى على غيبه ، وليس ذلك إلاّ من ارتضى سبحانه من رسول ، ثم من آثرهم الرسول بما علّمه الله إيّاه ، من الأَئمّة الأَوصياء ، والصفوة النجباء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
بين خطأ الرأي ، والرأي الخطأ :
ولا شكّ في أنّ الشيخ المفيد قد كان واحداً من تلك القمم العلمية الشامخة ، التي ربما لم يبلغها على مدى التأريخ إلاّ أقل القليل ، من الّذين ربما لا يزيد عددهم على عدد أصابع اليد الواحدة.
غير أنّ تبحُّره في العلم لا ينسحب على جميع العلوم ، فلا يشمل علم الجيولوجيا مثلاً. بل إنّما هو في نطاق ما يدخل في دائرة اختصاصاته ، واهتماماته ، وما تصدّى له بصورة جدّية وأساسية ، من علوم إسلامية كانت متداولة في عصره.
ولكنّنا وفقاً للحقيقة التي أشرنا إليها فيما سبق ، ولأَنّ الشيخ المفيد لم يكن واجب العصمة ، فلا مانع من أن نتوقّع أن نجد فيما بين طيّات كلامه ـ حتى في العلوم الإسلامية ـ بعض المسائل التي ربما نخالفه الرأي فيها ، إذا كان قد أرسلها إرسال المسلًّمات ، اعتماداً منه على ذيوعها وشهرتها ، أو ثقةً منه واعتماداً على من لم يكن أهلاً للثقة ، ولا محلاً للاعتماد.
ولكن ذلك لا يقلِّل من قيمة نتاجه العلمي ، ولا ينقص من مقامه السامي ، ولا يؤثّر على حقيقة كونه من الراسخين في ما تصدّى له من علوم.