وقال شيخنا المفيد : «إنّ الله تعالى عالم بكل ما يكون قبل كونه ، وإنّه لا حادث إلاّ وقد علمه قبل حدوثه (...) وهو مذهب جميع الإِمامية ، ولَسْنا نعرف ما حكاه المعتزلة عن هشام بن الحكم في خلافه (١٣٥) وعندنا أنّه تَخَرُّصٌ منهم عليه ، وغَلَطٌ ممَّنْ قلّدهم فيه فحكاه من الشيعة عنه ، ولم نجد له كتاباً مصنّفاً ولا مجلساً ثابتاً (١٣٦) وكلامه في أُصول الإِمامة ومسائل الامتحان يدلّ على ضدّ ما حكاه الخصوم عنه ...» (١٣٧).
وهكذا ظهر أنّ خصوم الإِمامية ، في موقفهم تجاه هذا القول «جسم لا كالأجسام» كانوا أكثر تسامحاً ، وأنّ الأئمّة عليهم السلام كانوا أكثر تشدّداً ، وقد تقدّم منّي ذكر ما أراه سبباً لهذا التشدّد ، ولكنّي مع كلّ هذا لا أرجوا ولا أطمع في أن يرجع خصوم الإِمامية وخصوم هشام خاصة عن موقفهم تجاههم وتجاهه! وأرجو الله سبحانه أنْ يخيّب ظنّي هذا خاصّة!
١٧ ـ براءة هشام من التجسيم والتشبيه :
د ـ هناك مجموعة من الأدلّة والشواهد تؤكّد لنا بصورة قاطعة براءة هشام ابن الحكم ممّا نسبه اليه خصومه من التجسيم والتشبيه ، بل وان قوله «جسم لا كالأجسام» لم يستقر عليه ، نذكر منها ما يلي :
١ ـ روى علماؤنا أنّ هشاماً رجع عن قوله «جسم لا كالأجسام» بعد ما أنكره عليه الإِمام الصادق عليه السلام (١٣٨).
__________________
(١٣٥) وهو ما تقدم من انّهم نسبوا اليه انه كان يقول : انّ الله تعالى يعلم الحوادث بعد حدوثها ، الرأي الذي قال به جهم.
(١٣٦) يبين فيه رأيه مباشرة في علم الله تعالى.
(١٣٧) اوائل المقالات في المذاهب والمختارات ، تبريز ، ط ٢ ، ١٣٧١ / ٢١ ـ ٢٢.
(١٣٨) المفيد ، الفصول المختارة ، ٢ / ٢٨٤ ـ ٢٨٥ ، الكراجكي ، كنز الفوائد / ١٩٨ ـ ١٩٩ ، البحار ، ٣ / ٢٩٠ ، ١٠ / ٤٥٢ ، مرآة العقول ، ٢ / ٥.