ومما نسبوه إلى هشام قوله بالإجبار الشديد ، الذي لا يبلغه القائلون بالسُّنَّة كما قال ابن قتيبة (١٠١).
فإنْ صحّت هذه النسبة فإنّ هشاماً تبع فيه جَهْماً ، كما تقدم من انه انما امتاز عن اخوانه المعتزلة في قوله بالجبر المطلق ، وقولهم بالاختيار التام ، أي القدر كما يعبر به خصومهم.
وعلى ضوء ما تقدّم فإنّ ما نسب إلى هشام ينقسم إلى قسمين : (الأوّل) ما يتفقّ مع جهميّته السابقة ، وبالإِمكان تصديق النسبة ، إنْ صدقت الحكاية ، وهي نماذج محدودة أحصيتها وعددتها. (الثاني) وهو اكثر ما نسبه اليه خصومة ، وهذا لا يتّفق لا مع جهميّته السابقة ، ولا مع إماميّته اللاحقة ، فلا يبقى أمامنا إلاّ أن نحكم بأنّه مفترى عليه جملة وتفصيلاً ، وانّ صحّ ان هشاماً قال ببعضه ـ وهذا مجرّد فرض لا واقع له ـ فإنّه لم يكن جادّاً فيه ـ كما سيأتي ـ ويجب أن أنبّه إلى أنّ جهميّة هشام لا بُدّ وأنّها كانت في اوائل شبابه ، بل وحين أنْ كان يافعاً فحسبُ ، إذا أنّ هشاماً بعد أنْ أصبح شابّاً ، وهو لا يزال «أوّل ما اختطّ عارضاه» ـ كما تقدّم ـ لم يكن يعتقد بالامامة فحسبُ ، بل كان يجادل عنها ، ويناهض خصومها ومنكريها ويناظرهم في ذلك. وأرى أنّ الأقرب إلى الصواب ، والأوفق بالحقائق الثابتة من حياة هشام وسيرته : ان جهميّة هشام كانت ترجع إلى متابعة جهم بن صفوان في بعض آرائه ، وهي الامثلة الثلاثة التي ذكرتها سابقاً ، والتي لا تتنافى مع القول بالإِمامة ، والالتزام بلوازمها ، والدفاع عنها. لا (الجهميّة) بجميع أبعادها وحدودها ، فلم يكن هشام يوماًص ما جهميّاً إلاّ في نطاق ضيّق لا أنّه كان يتبعه في جميع آرائه وعقائده.
__________________
(١٠١) تأويل مختلف الحديث /٤٨، لسان الميزان، ٦/١٩٤، عنه.