الحجر الأسود ، تلوذ بفنائك من ملأ براهم الله من طهارة الولادة ونفاسة التربة ، مقدّسة قلوبهم من دنس النفاق ، مهذّبة أفئدتهم من رجس الشقاق ، لينة عرائكهم للدين ، خشنة ضرائبهم عن العدوان ، واضحة بالقبول أوجههم ، نضرة بالفضل عيدانهم ، يدينون بدين الحقّ وأهله ، فإذا اشتدّت اركانهم ، وتقوّمت أعمادهم فدّت بمكانفتهم طبقات الامم الى إمام ، إذ تبعتك في ظلال شجرة دوحة تشعّبت أفنان غصونها على حافّات بحيرة الطبريّة ، فعندها يتلألأ صبح الحقّ ، وينجلي ظلام الباطل ، ويقصم الله بك الطغيان ، ويعيد معالم الإيمان ، يظهر بك استقامة الآفاق ، وسلام الرفاق ، يودّ الطفل في المهد لو استطاع إليك نهوضا ونواشط الوحش لو تجد نحوك مجازا ، تهتزّ بك أطراف الدنيا بهجة ، وتنشر عليك أغصان العزّ نضرة ، وتستقرّ بواني الحقّ في قرارها ، وتؤوب شوارد الدين إلى أوكارها ، تتهاطل عليك سحائب الظفر ، فتخنق كلّ عدوّ وتنصر كلّ وليّ ، فلا يبقى على وجه الأرض جبّار قاسط ، ولا جاحد غامط ، ولا شانئ مبغض ، ولا معاند كاشح ، ومن يتوكّل على الله فهو حسبه ، إنّ الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا.
ثم قال : يا أبا اسحاق! ليكن مجلسي هذا عندك مكتوما إلّا عن أهل التصديق ، والاخوّة الصادقة في الدين ، إذا بدت لك أمارات الظهور والتمكن فلا تبطئ بإخوانك عنّا ، وباهر [بأهل] المسارعة الى منار اليقين وضياء مصابيح الدين تلق رشدا إن شاء الله.
قال إبراهيم بن مهزيار : فمكثت عنده حينا أقتبس ما أؤدّي إليهم من موضحات الأعلام ، ونيّرات الأحكام ، واروّي نبات الصدور من نضارة ما ادّخره الله في طبائعه من لطائف الحكم ، وطرائف فواضل