عقيد : فدخلت أتحرّى ، فإذا أنا بصبيّ ساجد ، رافع سبّابته نحو السماء ، فسلّمت عليه فأوجز في صلاته ، فقلت : إنّ سيّدي يأمرك بالخروج إليه ، إذ جاءت امّه صقيل (١) فأخذت بيده وأخرجته إلى أبيه الحسن عليهالسلام ، قال أبو سهل : فلمّا مثل الصبيّ بين يديه سلّم وإذا هو درّيّ اللون ، وفي شعر رأسه قطط ، مفلّج الأسنان ، فلما رآه الحسن عليهالسلام بكى ، وقال : يا سيّد أهل بيته ، اسقني الماء فإنّي ذاهب إلى ربّي ، وأخذ الصبي القدح المغلي بالمصطكي بيده ، ثمّ حرّك شفتيه ثمّ سقاه ، فلمّا شربه قال : هيّئوني للصلاة ، فطرح في حجره منديل ، فوضّأه الصبيّ واحدة واحدة ، ومسح على رأسه
__________________
(١) اعلم أنّه اختلفت الروايات في نهاية حال أمّ الإمام عليهالسلام ، ففي بعضها أنّها حصلت بعد وفاة الإمام أبي محمّد العسكري عليهالسلام في دار محمّد بن علي بن حمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العبّاس بن مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام (وصفوه بأنّه ثقة عين في الحديث ، صحيح الاعتقاد ، له كتاب) ، وفي بعضها أنّها طلبت من الإمام أبي محمّد عليهالسلام أن يدعو لها بالموت قبل وفاته عليهالسلام فاستجيب دعاؤه ، وفي بعضها أنّها كانت حاضرة عند وفاة الإمام عليهالسلام (وهو هذا الخبر) ، وفي بعضها أنّها هاجرت إلى مكّة المكرّمة في حياة الإمام عليهالسلام مع ابنه الحجّة عليهماالسلام ، بأمر الإمام أبي محمّد عليهالسلام. وكما ترى أكثر هذه الروايات قد دلّ على حياتها بعد الإمام عليهالسلام ، والظاهر الأرجح حياتها بعد وفاة الإمام أبي محمّد عليهالسلام ، والشاهد على ذلك وقوع قبرها خلف قبر الإمام أبي محمّد عليهالسلام.
وعلى كلّ حال لا يضرّ مثل هذه الاختلافات ما نحن بصدده ، فإنّ اعتمادنا في هذا الكتاب على ما تواترت به الأحاديث أو استفاضت به في الأقلّ دون أخبار الآحاد ، فالأخبار يؤيّد بعضها بعضا فيما اتّفقت عليه. ولا يخفى عليك أنّ مثل هذه الاختلافات الفرعيّة قد وقعت في تواريخ السائرين من الأئمّة والأنبياء ورجالات التاريخ ، وكيفيّات وقوع الحوادث المهمّة المقطوع بأصلها عند الكلّ دون أن يصير ذلك سببا للشكّ في أصل وجود الأشخاص ، وأحوالهم المعلومة ، والحوادث التاريخيّة المشهورة. هذا مضافا إلى أنّ الظروف والأحوال الّتي كان عصر الإمام أبي محمّد عليهالسلام إلى بعد وفاته محفوفا بها ربّما تقتضي خفاء مثل هذه الامور الجزئيّة.