__________________
لا مشاحة في أنّ العمل والعادات والاعتدال من العوامل الرئيسة لإطالة العمر ، فالإفراط في كلّ أمر مع الانحراف عن النظام الطبيعيّ هو سبب تقصير أعمارنا ... الخ.
والغرض من ذلك كلّه أنّ مسألة طول العمر ليست من المسائل التي وقعت موقع إنكار العلماء وأرباب المذاهب والأديان ، بل قرّره كلّ واحد منهم من طريق فنّه وعلمه ، أو من طريق دينه ومذهبه ، فكلّما كان الإنسان بقواعد حفظ صحّة البدن أعرف يكون عمره أطول ، وكلّما كان أسباب تقصير العمر أكثر يكون نصيبه من حياته أقل وعمره أقصر ، قال بعض الأطبّاء : «الموت ينشأ عن المرض لا عن الشيخوخة» ، والأمراض تنشأ من أسباب كثيرة ، ليس بعضها تحت اختيار الإنسان نفسه كجهل آبائه وامّهاته بقواعد حفظ الصحّة وعدم رعايتهم لها ، فإنّ لسلامة مزاج الوالدين دخلا عظيما في اعتدال مزاج طفلهما ، وهكذا رعايتهما لآداب النكاح وقواعده ، وهكذا حسن تربيتهما له ، وكسوء البيئة وفساد المحيط وغيرها ، وبعضها تحت اختياره ، فهو متمكّن عن إزالته ، وذلك مثل الإفراط في الأكل والشرب ، وعدم الترتيب والنظم الصحيح في الأفعال وأعمال الغرائز والقوى ممّا يوجب الاختلال في المزاج ، ومثل الأخلاق الرذيلة والصفات السيّئة والمعتقدات الباطلة ، فإنّها تورث الاضطرابات الروحيّة ، والابتلاء بالوساوس الخبيثة الّتي لا تدع نفس الانسان في طمأنينة وسكون ، فلو أنّ إنسانا سدّ هذه الأبواب ، وتسلّط على جميع ذلك ممّا يدخل النقص في بدنه وعمره ، واعتدل في مأكله ومشربه وملبسه ومسكنه وغيرها ، لما كان لعمره وحياته حدّ ، ولا يمتنع بحسب القواعد العلميّة بقاؤه أبدا. نعم ثبت بأخبار الأنبياء أن لا بدّ لكلّ نفس أن تذوق الموت ، وأنّ كلّ شيء فان ، وأينما تكونوا يدرككم الموت ، ولكن هذا لا ينفي تعمير الانسان ألوفا من السنين وأزيد.
ونختم الكلام في هذا الموضوع بذكر مقالة نقلت في (المهديّ) وغيره عن مجلّة «المقتطف» في الجزء الثالث من السنة التاسعة والخمسين في ذيل عنوان : (هل يخلد الإنسان في الدنيا؟).
وقالت : ما هي الحياة وما هو الموت ، وهل قدّر الموت على كلّ حيّ؟
كلّ حبّة حنطة جسم حيّ ، وقد كانت في سنبلة ، والسنبلة تنبت من حبّة اخرى ، وهذه من سنبلة ، وهلمّ جرّا بالتسلسل ، ويسهل استقصاء تاريخ ستّة آلاف سنة أو أكثر ، فقد وجدت حبوبه بين الآثار المصريّة والآشوريّة القديمة ، دلالة على أنّ المصريّين والآشوريّين والأقدمين كانوا يزرعونه ، ويستغلّونه ، ويصنعون خبزهم من دقيقه ،