بعض الأقطار ـ كإيران والهند وإفريقية ـ لا دعاء المهدويّة بعض من
__________________
لاستنتاج نتيجة تاريخية بل كتبها إمّا لتفريق كلمة المسلمين ومنعهم عن الاعتصام بالوحدة الإسلاميّة وحبل الله المتين ، وإمّا تأييدا لبعض الفرق الضالّة والآراء الخبيثة الّتي أوجدتها أيدي الاستعمار الجانية في البلاد الإسلاميّة ؛ لأنّه ذكر فيها امورا لا تخفى بطلانها على من يقرأ الصحف والمجلات وتواريخ الفرق السياسيّة ، ولا يكفي في دفع ذلك اعتذاره بقلّة المصادر فإنّه لم يكلّف بتحرير مثل هذه الرسالة حتى يعتذر عمّا وقع فيها من الخلط والاشتباه ومتابعة هواه ، بل كان الواجب عليه ترك ذلك ، وأن يدعه لأهله (إذا لم تستطع شيئا فدعه) ، لكنّ أحمد أمين لم يلتفت إلى ذلك ، كما أنّه لا يهمّه تشويه منظرة الدين وإيقاع الأمّة الإسلاميّة في الشبه والشكوك ولعلّه ومن يحذو حذوه يرى من الثقافة إنكار الحقائق وردّ الأحاديث أو عطفها على ما يهوى.
ومهما كان الأمر فالجواب عمّا أسّس عليه نظريته : أنّه إذا كان ما ذكر هو الميزان لتميّز الحقّ والباطل فيلزم عليه إنكار جميع الحقائق الثابتة المسلّمة الّتي لا سبيل له الى إنكارها ، أفيرى أحمد أمين إنكار النبوّات لما وقع من الثورات باسم الأنبياء أضعاف ما وقع باسم المهديّ؟ أو ينكر (العياذ بالله) وجود الإله تبارك وتعالى لأنّ كثيرا من الناس اتّخذوا من دونه أندادا واستعبدوا عباد الله؟ أو ينكر حقيقة العدل وحسن الإصلاح لأنّ أكثر الناهضين بالثورات والدعايات إنّما شرعوا دعواهم باسم العدل والإصلاح ، مع أنّهم لم يقوموا إلّا لإثارة الشرّ وإلقاء الفساد ولم تبعثهم إلى ذلك إلّا المطامع والأهواء؟
وواقع الأمر أنّ سبب نجاح أرباب هذه الثورات في الجملة عدم اهتداء الناس ـ كأحمد أمين ـ إلى معنى المهديّ ، وجهلهم بما ذكر له في الأحاديث من الآيات والعلامات ، هذا ، وقد جاء بعضهم بوجه أوهن من بيت العنكبوت لردّ هذه الأحاديث ، وهو أنّ فكرة المهدويّة تورث القنوط والقعود عن العمل ، وتمنع عن السير نحو التقدّم والترقّي! وليت شعري ما يدعو هؤلاء إلى التعصّب والعدول عن الواقع حتّى حاولوا ردّ قول نبيّهم ، وتخطئة أئمّتهم في الحديث وفي التاريخ وفي سائر العلوم الإسلامية بهذه الوجوه الضعيفة ، بل الاعتقاد بظهور المهديّ كما سيأتي إن شاء الله تفصيله يقوّي النشاط ، ويوجب صفاء القلوب ، ويؤيّد رغبة الناس إلى تهذيب الأخلاق وكسب الفضائل والعلوم والكمالات ، وتزكية النفوس من الرذائل والصفات الذميمة ، ويلهب شعور الأمّة نحو المسئولية الحقيقيّة.