هل هناك معلم أمين يحث تلاميذه على العلم ، ويحرص على محافظة طلابه على المعلومات ، لكنه يوصيهم بعدم المذاكرة ، وعدم الكتابة لها؟؟!
أو أن الذي يريد إضاعة الحديث وإبادة السنة يقوم بعمل غير منع كتابته من جانب ، ومنع تداوله ونقله من جانب آخر؟!
وثالثا : إن محاولة إظهار عمر ـ وهو المانع للصحابة ـ بمظهر المحافظ على الحديث ، المتثبت فيه ، تستلزم ـ بوضوح ـ أن يكون الصحابة الممنوعون ـ وفيهم كبار أجلاء مثل أبي ذر الغفاري ، وأبي مسعود الأنصاري ، وغيرهما ، وهم الذين لم يأبهوا بمنع عمر فلم يزالوا مستمرين على الإكثار من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، حتى التجأ عمر إلى جلبهم إلى المدينة من الآفاق ، وحبسهم عنده بالإقامة الجبرية! ـ
إن تلك المحاولة تستلزم أن يكون هؤلاء الممنوعون من قبل عمر كلهم متهاونين بالسنة لم يحافظوا على الحديث ، ولم يتثبتوا فيه ، ولم يحتاطوا له ، بل فرطوا فيه.
إن مثل هذا الالتزام تجرؤ على مقام أولئك الصحابة الكرام ، الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه.
٥ ـ توجيه ابن قتيبة :
وتصدى ابن قتيبة لتوجيه تلك الروايات ، مع تخصيصه البحث بما ورد بلفظ «الاقلال» (٣٧) فقال :
كان عمر شديد الإنكار على من أكثر الرواية ... وكان يأمرهم بأن يقلوا الرواية ، يريد بذلك ألا يتسع الناس فيها ، ويدخلها الشوب ، ويقع التدليس والكذب من المنافق ، وا لفاجر ، والأعرابي.
وكان كثير من جلة الصحابة ، وأهل الخاصة برسول الله صلىاللهعليهوآله
__________________
(٣٧) مضى ذكره برقم ١ في ص ٢٠.