الحروف ، إذا ضممتها فاجعل النقط إلى جانب الحرف ، وإذا كسرتها فاجعل النقطة إلى أسفله ، وإذا اتبعت شيئا من هذه الحركات غنة فانقط نقطتين» (١١١).
ونحن حينما نتأمل هذه الرواية جيدا ـ والتي يؤيدها حتى المعارضون لفكرة وضعه النحو ـ نرى أن هذه العملية التي قام بها أبو الأسود تدل على مدى ثقافة أبي الأسود النحوية واللغوية وعلى مدى تركيز ذهنيته وتطورها ، ونرى أيضا أن هذه الرواية تشير إلى بعض المصطلحات ، كالحركات والكسر والفتح والضم ، وهي مصطلحات تدل على وجود قابلية الابداع والتركيز ـ ولو بصورة بدائية بسيطة ـ عند بعض رجال ذلك العصر ، وعلى تقدير اكتساب هذه العملية ـ عملية التحريك بالتنقيط ـ ومصطلحاتها من السريان آنذاك ـ كما يتبنى هذا الرأي أحمد حسن الزيات (١١٢) ـ فإن ذلك لا يؤخر مرحلة وضعها عن زمان أبي الأسود وأنه الواضع لها.
فالمعارضون يقولون : «بأن الأمر قد اختلط على الرواة إذ كانوا يقصدون بالنحو ضبط الكلام على سبيل العرب وسمتها في القول ، فأبو الأسود نقط المصحف ، وهذا النقط هو النحو المقصود بكلام الرواة» (١١٣).
٢ ـ ولكن الملاحظ من الروايات «أنها لم تكتف بأن أبا الأسود وضع النحو أو العربية فقط ، بل ذكرت أبوابا من النحو نسبت إليه ، فكيف نأخذ شق الرواية ونترك شقها الآخر؟! الأولى أن تؤخذ جميعا أو تطرح جميعا» (١١٤) فمن الأبواب التي ينسب وضعها إلى الإمام ـ عليهالسلام ـ وبعضها تنسب لأبي الأسود : باب التعجب والإضافة والظاهر والمضمر وتقسيم الكلمة ... إلى آخره.
٣ ـ إضافة إلى أن بعض الروايات تشير إلى أن أبا الأسود وضع تشكيل المصحف الشريف بالنقط والنحو أو العربية ، فتفصل بينهما ، مما يدل على
__________________
(١١١) إنباه الرواة : ٥.
(١١٢) تاريخ الأدب العربي : ١٥٤.
(١١٣) نقلا عن مدرسة البصرة النحوية : ١٥٤.
(١١٤) مدرسة البصرة النحوية : ٥٧.