فكيف نجمع بين هذه الروايات المختلفة؟
١ ـ ولكن ـ وكما لا حظنا في فصل سابق ـ فإن الروايات والأدلة لم تجمع على أبي الأسود فحسب ، بل إن أكثر الروايات ، بل ما يقارب الاجماع تنسب وضع النحو للإمام ـ عليهالسلام ـ ، وأنه تلا بعض القواعد الرئيسية على أبي الأسود وأشار عليه أن يواصل البحث من خلالها ، فوسع فيها أبو الأسود وأضاف إليها قواعد وآراء أخرى اكتشفها من خلال بحوثه وتجاربه في هذا المجال ، أو كما يقول عبد الرحمن السيد : «وهذه الروايات تكاد تجمع أيضا على أن أبا الأسود وضع النحو بإرشاد علي ـ رضياللهعنه ـ وبعضها يروي ذلك على لسان أبي الأسود نفسه ، وقلة منها تجعل أبا الأسود هو مبتكر هذا العلم ومبدعه دون أن يطلب إليه ذلك أحد أو يوجهه فيه موجه» (٩٨).
فإذا اعترف أبو الأسود نفسه بأخذه النحو من الإمام ـ عليهالسلام ـ واعترف بهذه النسبة نفس القائلين بوضع أبي الأسود للنحو وهي أكثر بكثير من الروايات التي تنسب وضع النحو لأبي الأسود بصورة مستقلة ، بل ربما قام الاجماع على ذلك. هذه المرجحات وغيرها ترجح الرأي والروايات التي تدل على دور الإمام ـ عليهالسلام ـ في وضع النحو ، بينما الروايات التي تعتبر أبا الأسود مستقلا في وضع النحو لا تملك مثل هذه المرجحات التي تملكها تلك الروايات التي تدل على دور الإمام ـ عليهالسلام ـ في وضع النحو.
٢ ـ إننا لو تتبعنا «نهج البلاغة» وأحاديث الإمام ـ عليهالسلام ـ في مختلف المجالات ، ومن خلال سيرته الفكرية والحياتية ـ بغض النظر عن مقدرة الإمام المعصوم كما يؤمن بها الشيعة ـ لرأينا أن الإمام أوسع من أبي الأسود ثقافة واطلاعا على لغة العرب ، وأكثر تركيزا ووعيا في شتى القضايا وأكثر فهما واهتماما لاحتياجات المسلمين ، وبالحفاظ على القرآن الكريم والأحاديث الشريفة ، فعندما ننسب النحو لأبي الأسود فمن طريق أولى نسبته للإمام ـ عليهالسلام ـ على أساس
__________________
(٩٨) مدرسة البصرة النحوية : ٤٩.