إجلال محل رسول الله وإعلاء كعبه ، وإعطائه أقصى ما يؤمله عند ربه (٩٥) ، ومن الايعاز إليه أن يقبل على شأنه من أداء العبادة بالإخلاص (٩٦) ، وأن لا يحفل بما ورد عليه من ناحية العاص ، ولا يحيد عن التفويض إليه محيدا ، فلا يذره وائبا وحيدا ، ومن الغضب له بما فيه مسلاته من الكرب ، من إلصاق عار البتر بالكلب (٩٧) ، والإشعار بأن كان عدو الله بورا ، ولم يكن إلا هو صنبورا (٩٨).
ثم أنظر كيف نظمت النظم الأنيق ، ورتبت الرشيق ، حيث قدم منها ما يدفع الدعوى ويرفعها ، وما يقطع الشبهة ويقلعها ، ثم لما يجب أن يكون عنه مسببا ، وعليه مترتبا ، ثم ما هو تتمة الغرض من وقوع العدو في مغواته (٩٩) التي حفر ، وصليه بحر ناره التي سعر ، ومن الشهادة على إلصاقه بالسليم عيبه ، وتوريكه على البرئ ذنبه (١٠٠).
وتأمل كيف أن من أسند إليه إسداء هذه العطية ، وإيتاء هذه الموهبة السنية ، هو ملك السماوات والأرض ، ومالك البسط والقبض ، وكيف وسع العطية وكثرها ، وأسبغها ووفرها ، فدل بذلك على عظم طرفي المعطى ، وعلى جلال جنبي المسدي والمسدى ، وقد علم أنه إذا كان المعطي كبيرا ، [كان] العطاء كثيرا ، فيا لها من نعمة مدلول على كمالها ، مشهود بجلالها.
وأراد بالكوثر أولاده إلى يوم القيامة من أمته ، جاء في قراءة عبد الله : «النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أبوهم وأزواجه أمهاتهم» (١٠١) وما أعطاه الله
__________________
(٩٥) إشارة إلى قوله تعالى : «إنا أعطيناك الكوثر».
(٩٦) إشارة إلى قوله تعالى : «فصل لربك وانحر».
(٩٧) إشارة إلى قوله تعالى : «إن شانئك هو الأبتر».
(٩٨) أي أبتر لا عقب له «النهاية ـ صنبر ـ ٣ : ٥٥».
(٩٩) مغواة : حفرة كالزبية تحفر للذئب ، ويجعل فيها جدي إذا نظر إليه سقط عليه يريده. ومنه قيل لكل مهلكة مغواة. «النهاية ـ غوا ـ ٣ : ٣٩٨».
(١٠) ورك عليه ذنبه : حمله عليه «أساس البلاغة ـ ورك ـ ٤٩٧».
(١٠١) قال المصنف في الكشاف ٣ : ٢٥١ : وفي قراءة ابن مسعود : «النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم» ، وقال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن ١٤ : ١٢٣ : ثم إن في مصحف أبي بن كعب