لأحد أن يلمس جو كربلاء ، وجو عاشوراء ، وجوهما معا إن اتفقا ، وجو المأتم الحسيني ، وخاصة إن كان يوم عاشوراء ، وفي كربلاء ، في الحائر الحسني ، إلا إذا كان شيعيا حسينيا ، وخاصة إن كان علويا ـ نسبا وروحا ـ كالشريف! فمقصورة الشريف شعر المآتم هناك ، يومذاك ، لا شعر المهرجانات أو المباريات الأدبية! شعر البكاء والدموع ، لا شعر الاعجاب الأدبي ، والمقدرة الفنية ، شعر النوح واللطم ، لا شعر (أمسيات الشعر)!
وهذا هو الفارق الأساس بين روح المقصورة وبين طابع حسينياته الأخرى ، فطابعها أدبي فني ، وطابع المقصورة حسيني ، وهي فن شعري ، والمقصورة ولاء حسيني ، كربلائي عاشورائي!
وسم هذا ما شئت! سمه ليونة ، أو سمه مطابقة لمقتضى الحال!
والحق أقول : إن الشريف وفق في مقصورته هذه قدر ما وفق في حسينياته تلك ، بل ولعله برز في المقصورة ما لم يبرز في غيرها! وبعد ، فالقصيدة التي تبلغ اثنين وستين بيتا ، إن وجد فيها أبيات معدودة لم ترتفع إلى المستوى العام للقصيدة نفسها ، أم لم تبلغ المستوى العام لشعر شاعرنا ، متى كان هذا دليلا يعتمد عليه على نفي القصيدة وحذفها بتمامها ، إلا بالنسبة إلى الرضي ، وفي مقصورته الحسينية خاصة ، وعند الإعلام الصدامي!!.
فمن من الشعراء ، من تقدم على الشريف منهم ، من جاهليين ، ومخضرمين ، وإسلاميين ، من أمويين أو عباسيين ، أو الذين عاصروه أو جاءوا بعده ، وإلى عصرنا الحاضر ، لا في الأدب العربي فحسب بل في الآداب الإنسانية كلها بمختلف عصورها ولغاتها من أمكنه أن يحتفظ بمستوى واحد لا يقصر عنه أبدا ، في كل ما نظم أو كتب؟!
ولا أجدني بحاجة إلى إيراد الأمثلة ، فالتهذيب والانتفاء سمة عامة لكل شاعر وأديب ، وشعر المناسبات يختلف عن الآثار الأدبية المقصود منها التبرز والظهور ، وبعد التهذيب والانتفاء لا يزال هناك فارق كبير في شعر أي شاعر ، وفي أدب أي أديب ، بين هذا الشعر وذاك وبين هذا القول وذاك!