لو رسول الله يحيا بعده |
|
قعد اليوم عليه للعزا (٢٢) |
وأقول :
إن هؤلاء النقاد غفلوا ـ أو تغافلوا عامدين ـ عن أمر يختص به أدب الرثاء الحسيني ، وهو : أن الرثاء الحسيني ينقسم إلى قسمين : رثاء فني أدبي ، وهذا ما يشترك فيه الرثاء الحسيني وأي رثاء آخر ـ ورثاء مأتمي شعبي. ولكل منهما خصائصه وميزاته ، قد تجتمع وقد تفترق. وليست قصائد الشريف الأربع (٢٣) شعر المآتم ، وإن كانت رثاء أدبيا! ومن عاش المآتم الحسينية ـ ومع الأسف أن الدكتور الحلو لم يعشها وإن حضرها لا أثق بأنه ينفعل نفسيا بها ، والسر واضح ـ علم أن شعر المآتم لا بد وأن يكون شعرا وصفيا مأساويا ، يصف المأساة وصفا شعريا يمزج الحقيقة بالعاطفة ، والواقع بالاحساس النفسي ، كي يكسب في نفوس السامعين ـ وهم عامة الناس ، أي مختلف طبقاتهم ، الأدباء وغير الأدباء ، وذو الثقافة العالية ، والسواد الأعظم ـ الرقة والخشوع ، ويستدر منهم الدموع ، بل وأكثر من الدموع! ولا تكفي هنا الإشارة العابرة ، والكناية الأدبية ، واللغة الفنية.
ويكفي في هذا الرجوع إلى «الدر النضيد» تأليف سيدنا الأمين ، رحمهالله ، وإلى المقاطع التي حشى بها الشيخ ابن شهرآشوب كتابه (مناقب آل أبي طالب) والتي هي نماذج لأدب الرثاء يومذاك ، ومنها مقصورة الشريف ، دون غيرها من حسينياته.
ومن هذا أقول بكل تأكيد : إن الشريف لم ينظم حسينياته الأربع تلك كي تقرأ في المآتم ، وينوح بها النائحون والنائحات ، وهو من أعلم الناس بشعر المآتم ، شعر دعبل ، والعوني ، والناشئ ، وأضرابهم مما كان يناح به يومذاك ، نعم ، إن مقصورته تمتاز عنها بأنه قالها في كربلاء ويوم عاشوراء ، وقالها ارتجالا ، ومن المحتمل الراجح أنه قالها وهو يحضر المآتم هناك ، وفي ذلك اليوم ، ولا يمكن
__________________
(٢٢) التصدير / ١٧١ ـ ١٧٢.
(٢٣) راجع (الأولى) الديوان ـ ط بيروت ١ / ٢٧٨ ـ ٢٨١ ، و (الثانية) ١ / ٢٨١ ، ٢٨٣ ، و (الثالثة) ١ / ٣٧٦ ـ ٣٧٨ ، و (الرابعة) ٢ / ٦٥٨ ـ ٦٦١ ، وقارن بالمقصورة وهي في ط بيروت ، ١ / ٣٣ ، ٣٦.