ولا يلزم أن تكون القراءة على الابن أنها كانت بعد وفاه الأب بل أرجح أنها وقعت في حياة الأب ، وفيما يقرب من تأريخ حضوره على شيخنا المفيد ـ كما سيأتي ـ وإنما اختير له الابن (وكان يفيد الطلبة في حياة أبيه) (١٨) ، أن الأب يومذاك كان قد بلغ من العمر عتيا ، ومن الشخصية العلمية ما ارتفع بها عن الاشتغال بمبادئ النحو والعربية ، وتلقين الصغار تلك المبادئ ، دون الابن وخاصة في حياة الأب ، وهو بعد لم يشغل مجلس أبيه.
والذي كان من ابن السيرافي أنه لقن الشريف النحو ، ويقصد منه التعليم الشفهي ، والتحفيظ وتقويم اللسان ، ولا تدل القصة على أن الشريف قرأ عليه شيئا من الكتب الموضوعة في النحو ، لا صغيرها ولا كبيرها ، بل وأن (مختصر الجرمي) وما كان كالمدخل إلى النحو قرأهما على الربعي فيما بعد.
ولعل لهذه الجهة ، ولأن التلقين انتهى بتلك النادرة سبب ذلك انقطاع الشريف عن أبي محمد السيرافي ، بعد أن لقنه أوليات النحو.
وأرى أن ما ذكرته كاف لتعليل تلك الظاهرة التي أشار إليها الدكتور الحلو ، والتي تبدو من رثاء الشريف لأبي محمد السيرافي ، وأظن قويا أن موقف أبي محمد السيرافي من نادرة الشريف كان موقف غضب وامتعاض ، ولم يكن يومذاك بعد ، قد أبدل (عمر) ب (عمرو) كي تخف الوطأة (ويسهل ابتلاع النادرة) ـ كما يقولون ـ ولعل ذلك الموقف ، أو ما تعقبه من ملاحظات وتعليقات خلف ذلك كله في نفس التلميذ الصغير وخاصة إن كان بمثل الشريف الرضي آثار سوء ظلت حية ، حتى وبعد أن مات أبو محمد.
وأرى أيضا أن هذا كاف لتفسير تغافل الشريف عن الأيام المعدودات التي حضر فيها عند ابن السيرافي ، وعدم الاهتمام بتلك الأيام وتغافلها ، عندما ذكر الشريف من قرأ عليه النحو والأدب.
* * *
__________________
(١٨) إنباه الرواة : ٤ / ٦١ ، ابن خلكان : ٧ / ٧٢ ، اليافعي : ٢ / ٤٢٩ ـ ٤٣٠.