والذي أراه في حل المشكلة الأولى التأكيد على مدلول (ابن) السيرافي! فإن إضافة (ابن) إنما جئ بها للتعريف ، والتعريف بالإضافة إلى الأب (السيرافي) لا يصح إلا إذا كان الأب قد بلغ من الشهرة المبلغ الذي يعد أشهر من يحمل العنوان ، فيعرف به من يضاف إليه (ابنا) كان أو (أخا) أو غيرهما ، وهذا يعني : أن المشتهر يومذاك بالسيرافي كان هو الأب ، لا الابن الذي حضر الشريف مجلسه ، وهذا لا يصح إلا إذا كان الأب أبو سعيد السيرافي نفسه ، لا أبوه بهزاد المجوسي الذي عاش في سيراف ، والذي أسلم وسماه ابنه عبد الله ، عاش مغمورا ومات مغمورا ، ولو لم يبلغ ابنه أبو سعيد ما بلغه لم يسمع بذكره أحد. وبهذا يكون الذي حضر عنده الشريف ابن أبي سعيد السيرافي أبا محمد ، لا هو نفسه. وليست المشكلة تدور حول قصر السن أو قلة الذكاء ، فإنه لا مناقشة في شدة ذكاء الشريف وحدة فطنته ، وقصر سنه لم يمنعه من الحضور على الشيخ المفيد ـ كما سيأتي ـ وسيأتي أن عمره كان يومذاك في حدود السادسة.
ولم أجد فيما أملك من المصادر قراءة ابن جني على أبي سعيد السيرافي ، وإنما الذي تتفق المصادر كلها عليه أنه قرأ على أبي علي الفارسي ، في صحبة دامت أربعين سنة ، صحبه في أسفاره ، وخلا به في مقامه (١٦) ، ويذكر ابن ماكولا أن ابن جني (سمع جماعة من المواصلة والبغداديين) (١٧) ، إلا أن أحدا لم يذكر أنه كان فيهم أبو سعيد السيرافي.
ولا نملك أي حجة تدلنا على قراءة الشريف على السيرافي ، سواء أكان الأب أم الابن ، سوى ما تدل عليه هذه النادرة ، وهي لا تدل إلا على أنه حضر مجلس الابن دون الأب ، وبهذا لا أجد أي مبرر لما احتاط الدكتور الحلو في رأيه حينما ارتأى أن الشريف قرأ على الأب ، وأضاف : (وهذا لا يدفع أنه ربما استفاد من علم ولده يوسف).
__________________
(٦) إنباه الرواة : ٢ / ٣٣٦ ، ياقوت : ٥ / ١٨ ـ ١٩ ، ابن خلكان : ٣ / ٢٤٦ البلغة في تاريخ أئمة اللغة / ١٣٧ ، نزهة الألباء / ٣١٥ ، ٣٣٣ ، سير أعلام النبلاء : ١٦ / ٣٨٠ ، ١٧ / ١٨ ، بغية الوعاة : ٢ / ١٣٢ ، روضات الجنات ، ٥ / ١٧٦ ، ١٧٧ ، ١٨٠.
(١٧) الاكمال : ٢ / ٢٨٥ ، الأنساب : ٣ / ٣١٦.